تعليقه ، فقال لمقدم قطاع الطريق : ردوا علي تعليقتي ، فقال : وما التعليقة؟ قال : مخلاة فيها كتب علمي ، وقصصت عليه قصتي ، فقال لي : كيف تعلمت وأنت تأخذ هذه المخلاة تتجرد من عملك ، وبقيت بلا علم! فردها عليّ ، فقلت : هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني لأمري ، قال : فدخلت طوس ، وأقبلت على أمري ثلاث سنين حتى تحفظت جميع ما علقت ، فصرت بحيث لو قطع الطريق لا أحرم علمي.
قال أبو سعد : قرأت في كتاب «سر السرور» (١) لصديقنا القاضي أبي العلاء محمد بن محمود الغزنوي أن نظام الملك كان في بعض أسفاره إذ صادف راجلا في زي (٢٩٤ ـ ظ) العلماء قد مسه الكلال ، وأضجره التعب ، فقال له نظام الملك : أيها الشيخ أعييت أم أعييت؟ فقال الرجل : أعييت يا مولانا ، فتقدم الى حاجبه ليقرب إليه بعض الجنائب ، ويصلح من شأنه ، وأخذ في اصطناعه ، وإنما أراد ليمتحن فضله وعلمه باللغة ، فإن عيي في اللسان وأعيى في المشي.
قال : وذكر أنه ولى رجلا قضاء سرخس ، فلم يرتض طرائقه فيه ، فصرفه بآخر ، وتوسل المعزول بشفاعة بعض الأكابر ، فوقع نظام الملك على ظهر كتاب الشفاعة قلدناه أمرا عظيم الخطر ، ليوم الفزع الأكبر ، فاثاقل وتقاعد عن حسن القيام به ، ولم يبال بالتفريط في جنب الله. ألم يعلم أنه المقلّد لا المقلّد!.
أخبرنا أبو هاشم قال : أخبرنا أبو سعد قال : سمعت أبا الحسن علي بن أحمد ابن الحسين اليزدي الفقيه قال : سمعت أبا نصر محمود بن الفضل الأصبهاني يقول : سمعت نظام الملك أبا علي الحسن بن علي بن اسحاق الوزير برد الله مضجعه يقول : رأيت في المنام إبليس في صورة رجل طوال مصفار اللون كوسجا (٢) فلما وقع بصري عليه عرفت أنه إبليس ، فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فلم يبرح من موضعه فأعدت هذه الكلمة عليه مرات بصوت ، وأنا أقول في نفسي ما أعجب ذلك ، هذا إبليس ولا يهرب من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله» فكنت في ذلك وأنا رافع صوتي (٢٩٥ ـ و) بها إذ ترآى لي بيت خلف ظهره فدخل ، فقلت له : يا لعين أنت
__________________
(١) لم أقف عليه.
(٢) الكوسج الناقص الاسنان. القاموس.