يعني تصير ثيابك مبلولة ؛ ثم قال بعد ساعة : لو كانت الدنيا بحذافيرها لإنسان وأنفقها في المصالح وسبل الخير لا يصل إلى الله بها ؛ ثم قال بعد ساعة : ينتقل من الدست إلى موضع الحساب ، وقال بالفارسية : أر بيكشاه بحساب كاهت خواهند برد (١).
وقال أبو سعد السمعاني : سمعت أبا البركات اسماعيل بن أبي سعد الصوفي ببغداد مذاكرة يقول : سمعت محمد الاصبهاني ، وكان مختصا بنظام الملك ، قال : كان النظام إذا دخل عليه الأستاذ أبو القاسم القشيري والإمام أبو المعالي الجويني يقوم لهما ويجلس في مسنده كما هو ، وإذا دخل عليه أبو علي الفارمذي يقوم إليه ويجلسه في مكانه ، ويجلس بين يديه ، فقال لي أبو المعالي الجويني يوما : قل للصدر عني : يدخل عليك الأستاذ أبو القاسم وهو إمام في كذا وكذا علم ، لا تكرمه هذا الإكرام الذي تكرم به هذا الشيخ يعني أبا علي الفارمذي؟!
قال محمد الأصبهاني : وفي ضمن هذا الكلام تعريض بنفسه أيضا ، فاغتنمت خلوة من النظام وقلت : يا مولانا إمام الحرمين قال لي : كذا على كذا ، وحكيت له ما قال لي ، فقال النظام : هو وأبو القاسم القشيري وأمثالهما إذا دخلوا علي يقولون لي : أنت كذا وأنت كذا ، ويثنون علي ، ويطرونني بما ليس في. فيزيدني كلامهم عجبا وتيها في نفسي ، وإذا دخل علي هذا الشيخ ـ يعني أبا علي الفارمذي ـ (٢٩٤ ـ و) يذكر لي عيوب نفسي وما أنا فيه من الظلم ، فتنكسر نفسي وأرجع عن كثير مما أنا فيه ؛ ذكر لي هذا أو معناه. فإني كتبته من حفظي.
وقال السمعاني : قرأت في بعض مسودات والدي رحمه الله بالري بخطه : سمعت الفقيه الأجل أبا القاسم عبد الله بن علي بن اسحاق يقول : سمعت الصاحب نظام الملك يوصي ابني ويقول : إنك شرعت في أمر ـ يعني الفقه ـ فلا تقنع فيه بالاسم ، وإذا تناهيت فيه فلا تغرر بنفسك ، وأيقن ان ما لا تعلم أكثر مما تعلم. ثم حكى الصاحب أن الإمام أبا حامد الغزالي الصوفي كان رحل الى أبي نصر الاسماعيلي بجرجان ، وعلق عنه ، ثم رجع الى طوس ، فقطع عليه الطريق ، وأخذ
__________________
(١) يبدو أن الجملة الفارسية تردد معنى سابقتها العربية.