ويفارق هدى أهل العلم وطريقه الديانين وعبادة المتنسكين ، وأبو سعيد يصوم الدهر ولا يصلي إلّا في جماعة ويقيم على مذهب أبي حنيفة ، ويلي القضاء سنين ويتأله ويتحرج ، وغيره بمعزل من هذا ، ولولا الابقاء لحرمة (٢٦٧ ـ ظ) العلم لكان القلم يجري بما هو خاف ، ولكن الأخذ بحكم المروة أولى والاعراض عما يوجب اللائمة أحرى ، وكان أبو سعيد حسن الحظ ، ولقد أراده الصيمري أبو جعفر على الانشاء والتحرير ، فاستعفى ، وقال هذا أمر يحتاج فيه الى دربه ، وأنا عار منها ، والى سياسة وأنا غريب فيها :
ومن العناء رياضة الهرم.
قال : وحدثنا النفري أبو عبد الله ، وكان يكتب النوبة للمهلبي بحديث مقيد لأبي سعيد قال : كنت أخط بين يدي الصيمري أبي جعفر محمد بن أحمد (١) ، فالتمسني يوما لأن أجيب ابن العميد أبا الفضل عن كتاب فلم يجدني ، وكان أبو سعيد بحضرته فبان أنه بفضل العلم أقوم بالجواب من غيره ، فتقدم اليه أن يكتب ويجيب ، فأطال في عمل نسخه كثر فيها الضرب والاصلاح ، ثم أخذ يحرر والصيمري يقرأ ما يكتبه ، فوجده مخالفا لجاري العادة ، لفظا مبانيا لما يؤثره ترتيبا ، قال : ودخلت في تلك الحال فتمثل الصيمري.
يا باري القوس بريا ليس يصلحه |
|
لا تظلم القوس واعط القوس باريها |
ثم قال لأبي سعيد : خفف عليك أيها الشيخ ، وادفع الكتاب الى أبي عبد الله تلميذك ليجيب عنه ، فخجل من هذا القول ، فلما ابتدأت من غير نسخة تحير مني أبو سعيد ، ثم قال للصيمري : أيها الاستاذ ليس بمستنكر ما كان مني ، ولا مستكثر ما كان منه ، ان مال الفيء لا يصح الا من (٢٦٨ ـ و) مستخرج وجهبذ في بيت المال ، والكتاب جهابذة الكلام ، والعلماء مستخرجوه ، فتبسم الصيمري وأعجبه ما سمع ، وقال : على كل حال ما أخليتنا من فائدة ، وكان أبو سعيد بعيد القرين ، لأنه كان يقرأ عليه القرآن والتفسير والفقه والفرائض والشروط والنحو واللغة
__________________
(١) كان الصيمري كاتب معز الدولة البويهي ومستشاره ووزيره ، كان حسن التدبير شجاعا (ت : ٣٣٩ ه / ٩٥٠) الاعلام للزركلي.