وسمعنا منه في رجب من سنة خمس وسبعين وثلاثمائة : وعلت منزلته في النحو حتى قال قوم من تلامذته : هو فوق المبرد ، وأعلم منه ، وصنف كتبا عجيبة حسنة (١٤٨ ـ ظ) لم يسبق الى مثلها ، واشتهر ذكره في الآفاق ، وبرع له غلمان حذاق مثل : عثمان بن جني ، وعلي بن عيسى الشيرازي وغيرهما ، وخدم الملوك ، ونفق عليهم ، وتقدم عند عضد الدولة ، فسمعت أبي يقول : سمعت عضد الدولة يقول : أنا غلام أبي علي النحوي الفسوي في النحو ، وغلام أبي الحسين الرازي الصوفي في النجوم.
أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن محمود بن الحسين الساوي بالقاهرة ، قال : أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني ـ اجازة ان لم يكن سماعا ـ قال : سمعت القاضي أبا منصور العمراني بآمد يقول : سمعت أبا الحسن علي بن فضال النحوي يقول : كان عضد الدولة يقرأ الأدب على أبي علي الفارسي ويبالغ في اكرامه ، ويحضره معه المائدة ، فلما كبر وأضر كان يحضره أيضا على العادة المستمرة ، وكان من رسمه أنه اذا فرغ من الأكل يلتفت والفراش قائم فيقلب الماء على يده ، فاتفق يوما أن كان الفراش مشغولا ، فلما التفت الشيخ ليغسل يده اختلسه عضد الدولة ، وجاء مجيء الفراش فأخذ الابريق وقلب على يده الماء ، فجاء الفراش ، فأومأ اليه أن أمسك الى أن فرغ ، وأعطاه المنديل فمسح يده ، ورجع الى مكانه فقال الفراش : يا سيدنا تعلم من قلب على يدك الماء؟ فقال : أنت فقال : انما كان مولانا عضد الدولة فقام الشيخ أبو علي قائما وقال : لو لم أجد من حلاوة العلم إلّا هذا لكان فضلا كبيرا ، ثم رفع يديه نحو السماء وقال : أكرمك الله الذي أكرمتني لأجله أكرمك (١٤٩ ـ و) الله الذي أكرمتني لأجله ، وجعل يكرره.
قرأت بخط أبي منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الجواليقي رحمه الله في تعليق له نقله من خط ابن برهان ، وأنبأنا به شيخنا أبو اليمن الكندي عنه ـ قال فيما نقله من خط ابن برهان ـ قال أبو الفتح : بعد أن دعا لأبي علي كان اذا قعد على سريره الذي كان يقعد عليه أوقات درسه لا يرى العالم إلّا دونه ، وما كان يفكر في أحد حتى أنه كان اذا جرى حديث عضد الدولة قال صاحب السطح فعل كذا ، وصاحب السطح قال كذا ، وذلك أن الملك بشيراز كان يقعد في أكثر أوقاته