قال : توسطت مجالس أعيان الوقت أيام السلطان أبي القاسم (١) رحمه الله ، فصادفتهم مجمعين على أن أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة ، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة ، وإنه في علم الحديث علم بل عالم ، وبسائر العلوم متحقق عالم.
قال : وحدثني الشيخ أبو منصور المقرئ الأسد أباذي وقد جمع في أسفاره بين بلاد المشرق والمغرب قال : كانوا يعدون بخراسان وأفنية العلم رحاب ، ويد العدل تجاب (١٠٠ ـ ظ) والعيش عذب مستطاب ، في علوم التفسير رجلين : أبا جعفر فاخر السجستاني ، والصابوني بخراسان لا يثلثهما فاضل ولا يدخل في حسابهما كامل.
قال أبو منصور : فأما اليوم فلا مثل لأبي عثمان في الموضعين.
قال : وحدثني أبو عبد الله الخوارزمي ـ شيخ تفقه ببغداد ووقع إلينا ـ قال : دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم فرأيت أبا عثمان مائسا في حلة الشباب ولمته يومئذ كجناح الغداف (٢) أو حنك الغراب ، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون ، كأبي سعد وأبي القاسم ، وهو يعد على تقارب سننه صدرا وجيها وشيخا نبيها ، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وافضال.
قال : وحدثني أبو شيبة مولى الهرويين قال : وفد أبو عثمان عن السلطان المعظم (٣) الى الهند فلما صدر منها دخل هراة ، وعقد المجلس أياما ، وأبو زكريا ـ يعني ـ يحيى بن عمار في قيد الحياة قد انتهت اليه رئاسة الحنابلة في جميع الإقليم ، فكان إذا فرغ من المجلس جاءه من جلس عنده وأبو زكريا يظهر السرور بمكانه ، ويصرح أنه من حسنات قرانه.
قال : وحدثني أبو الفضل محمد بن شعيب النديم قال : كان مشايخنا الذين ينظم بقولهم عقد الإجماع يسلمون لأبي عثمان مقاليد الإمامة في علم التفسير
__________________
(١) يرجح أن ذلك أيام محمود الغزنوي.
(٢) الغداف : غراب القيظ والنسر الكثير الريش. القاموس.