لا يفرّق بينها وبين شعر ابن الوليد (١) ولا ينكر على منشدها نسبتها الى لبيد ، وهي على طرف لسانه بحسن بيانه غير محتفل في طولها ، ولا يتعثر لفظه العالي في شيء من فصولها (٢٠٧ ـ و) والمقطعات فأحلى من الشهد ، وألذ من النوم بعد طول السهد في كل معنى غريب وشرح عجيب.
قلت : ولم يذكر الحافظ أبو القاسم في تاريخه أحدا ممن تأخرت وفاته عن وفاته غير أربعة أو خمسة ، أبو المظفر أسامة بن منقذ هذا أحدكم ، وذلك لجلالته عنده ، وعلو منزلته.
أنبأنا محمد بن اسماعيل بن عبد الجبار بن أبي الحجاج المصري قال : أخبرنا عماد الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الكاتب الأصبهاني في كتاب «خريدة القصر وجريدة العصر» تأليفه ، قال : أسامة كإسمه في قوة نثره ونظمه ، يلوح من كلامه أمارة الإمارة ، ويؤسس بيت قريضة عمارة العبارة ، نشر له علم العلم ، ورقي سلم السلم ، ولزم طريق السلامة وتنكب سبل الملالة والملامة ، واشتغل بنفسه ، ومجاورة أبناء جنسه ، حلو المجالسة حالي المساجلة ، نديّ النّدى بماء الفكاهة ، عالي النجم في سماء النباهة ، معتدل التصاريف ، مطبوع التصانيف ، أسكنه عشق الغوطة دمشق المغبوطة ، ثم نبت به كما ينبو الدار بالكريم ، فانتقل إلى مصر ، فبقي بها مؤمّرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام ابن رزيك (٢) ، فعاد الى الشام ، وسكن دمشق مخصوصا بالاحترام حتى أخذت شيزر من أهله (٣) ، ورشقهم صرف الزمان بنبله ، ورماه الحدثان الى حصن كيفا مقيم بها في ولده ، مؤثرا بلدها على (٢٠٧ ـ ظ) بلده حتى أعاد الله سلطنة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة سبعين ، ولم يزل مشغوفا بذكره ، مستهترا بإشاعة نظمه ونثره ، والأمير العضد مرهف ولد الأمير مؤيد الدولة جليسه وأنيسه ، فاستدعاه إلى دمشق ، وهو شيخ قد جاوز الثمانين.
__________________
(١) أي البحتري.
(٢) طلائع بن رزيك وزر في القاهرة لمدة سبع سنوات (١١٥٤ ـ ١١٦١ م) وكان من أصل أرمني. انظر النجوم الزاهرة : ٥ / ٣٤٥.
(٣) هدمت شيزر بفعل الزلزلة وقتل أهله بها أيام نور الدين سنة ١١٧٠ م.