شوكة أخشى أن أطأ عليها فتدخل في قدمي ، قلت : لم لبستم المسوح والسواد؟ قال : لأن الدنيا مأتم ، قال : قلت : أستغفر الله ، قال : فنظر إلي ، وقال : يافتى أستغفر الله توبة الكاذبين ، فكم مستغفر بلسانه معاد لله بقلبه يقاد غدا إلى عذاب السعير ، قال قلت له : ياتيني (١) بقيت واحدة قال : سل ، قال : قلت : من أين المطعم والمشرب؟ قال : فنظر إلي نظرة احمرت حماليق عينيه ثم قال : ويحك لم تنتفع بالموعظة بعد.
أحمد بن يوسف أبو العباس التيفاشي القاضي :
تيفاش قرية من قرى قفصة إحدى بلاد إفريقية ، وكان أبو العباس قاضي قفصة ، وكان شيخا حسنا فاضلا ، عارفا بالأدب وعلوم الأوائل ، وله شعر حسن ، ونثر جيد ، ومصنفات حسنة في عدة فنون كثيرة الفائدة.
اجتمعت به بالقاهرة ، وقد توجهت إليها رسولا ، فوجدته شيخا كيسا ، ظريفا ، حريصا على الاستفادة لما يورده في تصانيفه ويودعه مجاميعه (١٥٩ ـ ظ) وأوفقني علي شيء من تصانيفه الحسان ، وأهدى إليّ بخطة منها كتابا وسمه «بالدرة الفائقة في محاسن الأفارقه» ، وأنشدني مقاطيع من شعره.
وذكر لي أنه ولد بقفصة من بلاد إفريقية ، وأنه خرج وهو صبي ، واشتغل بالديار المصرية على شيخنا أبي محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي ، ورحل إلى دمشق وقرأ بها على شيخنا أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي ، وأحب المقام بها ثم إن نفسه اشتاقت الى الوطن ، فعاد إلى قفصة ، ثم إنه حن الى المشرق وطالبته نفسه بالمقام بدمشق ، فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله ، وأخذ معه أولاده وزوجه وماله ، وركب البحر في مركب اتخذه لنفسه ، فغرق أهله وأولاده ، وخلص بحشاشة نفسه ، وخلص عرب برقة بعض متاعه ، فخرج معهم متفكرا خوفا منهم أن يهلكوه بسبب أخذ متاعه ، وسبقهم إلى الاسكندرية ، وتوصل بعمل مقامة يذكر فيها ما جرى له في طريقه ، وعرف الملك الكامل أبو المعالي محمد بن الملك العادل أبي
__________________
(١) نسبة الى حصن التينات ، وسبق للمصنف أن ساق هذه الحكاية مختصرة.