أخبرني نافع بن أبي الفرج بن نافع الحلبي ، وكان أحد غلمان أبي الحسين بن منير ، أن ابن منير انهزم من أتابك طغتكين الى بغداد ، وهربّه الحاجب يوسف بن فيروز ، وكان سبب ذلك أنه شبّب في قصيدة له ببعض أقارب طغتكين ، وكان صبيا أمرد ، وهو حسام الدين دلق بن أبق ، والقصيدة هي التي أولها :
من ركّب البدر في صدر الرديني ....
قال : وأركبه الحاجب يوسف علي خيل البريد فهرب إلى بغداد (١).
وحكى لي القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قاضي العسكر ، أن سبب طلب صاحب دمشق ابن منير واستتاره منه وخروجه من دمشق أن ابن منير مدحه بقصيدة فيها بيت أوله :
مني ومنك استفاد الناس ما كسبوا ....
وكان ابن منير كثير الأعداء عنده ، فقال له بعض الأعداء عنده بعد خروج ابن منير : انظر أيها الأمير الى قول ابن منير لك يهددك في هذا البيت (٧٦ ـ و) «مني ومنك» وكان رجلا تركيا ، وقد سمع الناس يقولون عند تهديد بعضهم بعضا «مني ومنك» فوقع ذلك في نفسه وغضب وطلبه ، فاختفى وخرج عن دمشق ، هذا معنى ما حكي لي قاضي العسكر ، ويحتمل أن يكون خوفه واختفاؤه لمجموع الأمرين والله أعلم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي قال : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني المعروف بالعماد الكاتب في كتاب «خريدة القصر وجريدة العصر» قال : المهذب أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي كان شاعرا مجيدا مكثرا هجّاء ، معارضا للقيسراني في زمانه ، وهما كفرسي رهان ، وجوادي ميدان ، وكان القيسراني سنيا متورعا وابن منير مغاليا متشيعا ، سمعت الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ بدمشق سنة احدى وسبعين وهو يذكره ، وجرى حديث شعر ابن مكنسة المصري وقوله :
__________________
(١) انظر تاريخ دمشق : ٢ / ١٢٧ و.