البنّاء قال : أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي قال : أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال : أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن اسماعيل الحطمي قال : قام مقامه ـ يعني مقام صاحب الجمل ـ أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال ، فأسرف في سوء الفعل ، وقبح السيرة ، وكثرة القتل ، حتى تجاوز ما فعله أخوه ، وتضاعف قبح فعله على فعله ، وقتل الأطفال ، ونابذ الإسلام وأهله ، ولم يتعلق منه بشيء ، فخرج الكتفي إلى الرقة ، وسير إليه الجيوش ، فكانت له وقائع وزادت أيامه على أيام أخيه في المدّة والبلاء حتى هزم وهرب ، فظفر به في موضع يقال له الدّالية (١٩٥ ـ ظ) بناحية الرحبة ، فأخذ أسيرا ، وأخذ معه ابن عم له يقال له المدثر كان قد رشحه للأمر بعده ، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين.
وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه ، فركب المكتفي ركوبا ظاهرا في الجيش والتعبئة ، وهو بين يديه على الفيل ، وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس ، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ، ثم بنيت له دكة في المصلى ، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعا في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط ، وكوى جميعه بالنار ، وقطعت منه أربعته ، ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجا عظيما للنظر إليه ، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوّان ، وهما فيما ذكر ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلا ذريعا لم يسمع قط بمثله ، واستباح القوافل ، وأخذ شمسة (١) البيت الحرام ، وقبل ذلك ما دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة وأخرج منها ، ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إياها ، وخروجه عنها ، فهزمهم وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة ، فتقوى
__________________
(١) أشبه بمظلة كانت توضع فوق الحجر الاسود وقد اختلف شكل الشمسة العباسية عن الشمسة الفاطمية.