الدولة أبو نصر بن جهير قال : حدثني المنازي الشاعر قال : اجتمعت بأبي العلاء المعري بمعرة النعمان وقلت له : ما هذا الذي يروى عنك ويحكى؟ فقال : (١٦٣ و) حسدني قوم فكذبوا علي وأساءوا إلي ، فقلت له : على ما ذا حسدوك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة؟! فقال : والآخرة أيها الشيخ؟ قلت : أي والله ، ثم قلت له : لم تمتنع من أكل اللحم وتلوم من يأكله؟ فقال : رحمة مني للحيوان ، قلت : لا بل تقول إنه من شر الناس ، فلعمري إنهم يجدون ما يأكلون ويتجزون به عن اللحمان ويتعوضون ، فما تقول في السباع والجوارح التي خلقت لا غذاء لها غير لحوم الناس والبهائم والطيور ودمائها وعظامها ، ولا طعام يعتاض به عنها ولا يتجزى به منها ، حتى لم تخلص من ذلك حشرات الأرض ، فإن كان الخالق لها الذي بقوله نحن ، فما أنت بأرأف منه بخلقه ولا أحكم منه في تدبيره ، وإن كانت الطبائع المحدثة لذاك على مذهبك فما أنت بأحذق منها ، ولا أتقن صنعة ولا أحكم عملا حتى تعطلها ويكون رأيك وعقلك أوفى منها وأرجح وأنت من أبجادها غير محسوس عندها ، فأمسك.
قلت : وهذا يبعد وقوعه من أبي نصر المنازي فإنه كان قدم على أبي العلاء وحكى ما أخبرنا به أبو القاسم بن رواحة عن أبي طاهر السّلفي قال : سمعت أبا الحسن المرجي بن نصر الكاتب يقول : سمعت خالي الوزير أبا نصر أحمد بن يوسف المنازي يقول : بعثني نصر الدولة أبو نصر أحمد بن مروان (١) سنة من ميافارقين إلى مصر رسولا ، فدخلت معرة النعمان واجتمعت (١٦٣ ظ) بأبي العلاء التنوخي ، وجرت بيننا فوائد ، فقال أصحابه فينا قصائد ، ومن جملتها هذه الأبيات :
تجمع العلم في شخصين فاقتسما |
|
على البريّة شطريه وما عدلا |
__________________
(١) أشهر أمراء الدولة المروانية. انظر كتابي تاريخ العرب والاسلام : ٣٦٧ ـ ٣٦٩.