قال : وكان المعتضد من أكمل الناس عقلا ، وأعلاهم همة ، وأكثرهم تجربة ، قد حلب الدهر أشطره ، وعاقب بين شدّته ورخائه ، وكان أبوه الموفق يسمى المنصور الثاني لانشعاب الأمور عليه وقيامه بها حتى تجلت ، وكان المعتضد يسمى السفاح الثاني لأنه جدد ملك بني العباس بعد اخلاقه ، وقتل أعداءه ، فكان أول لهم كما كان السفاح أولا ، وقد احتذى هذا المعنى علي بن العباس الرومي فقال يمدحه لما قام بالخلافه : (١٢١ ـ ظ).
هنيئا بني العباس إنّ إمامكم |
|
إمام الهدى والباس والجود أحمد |
كما بأبي العباس أنشئ ملككم |
|
كذا بأبي العبّاس أيضا يجدّد |
إمام يظلّ الأمس يعمل نحوه |
|
تلهّف ملهوف ويشتاقه الغد (١) |
قرأ في كتاب أخبار المعتضد من أخبار بغداد لعبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر الذي ذيل به على تاريخ أبيه قال : وكان المعتضد بالله خليفة لم يقم من خلفاء بني العباس بعد المنصور خليفة كان أكمل منه شجاعة ، ورجلة ، وجزالة ، ورأيا ، وحذقا بكل صناعة ، وعدلا وانصافا وحسن سيرة ، مؤيدا بالنصر ، مقرونا بالظفر.
تولى الخلافة وهي علقة متمزقة متفرقه ، فجمع أطرافها ، وضم منتشرها ، وشدد أركانها وقوّى عمادها ، ووكد أسبابها ، وسن السنن العادلة ، وأبقى في رعيته الآثار الفاضلة ، ودوّخ البلاد ، وقوم العباد ، حتى رد المملكه إلى حال جدتها بعد دروسها ، ودانت له الأطراف ، وخضعت له الأشراف ، ولم يبق خارجي إلّا قصمه ، ولا مستصعب إلّا وقمه ولا عاص الا اصطلمه وأمنت السبل بعد أن كانت مخوفة ، واطمأنت النفوس بعد أن كانت مرعوبة ، ودرت الأموال بعد أن كانت منقطعة ، واستوت بالعدل والانصاف أحوال الرعية.
قال عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر : ومن سيرة المعتضد (١٢٢ ـ و)
__________________
(١) ديوانه ـ ط. القاهرة ١٩٧٤ : ٢ / ٦٦٠.