قائما انهدم في زماننا ، وأخذ منه حجارة كثيرة ، وبقي أولاد مسلمة بعده الى دولة بني العباس ، ولما اجتاز الرشيد بهم ، برهم ووصلهم مجازاة لأبيهم لأنه كان يحسن الى بني هاشم في أيام ولاية أخوته ، وكان لمسلمة قرى ومزارع بأعمال حلب اتخذها وعمرها أيام إقامته بالناحية المذكورة ، منها الحانوت وبها مات ، وتسمى في زمننا الحانوته (١).
وأما سليمان بن عبد الملك فإنه نزل دابق غازيا وأقام بها سنين ومات بها ، وبقي من أولاده بناحية حلب بعضهم ، فإنني قرأت في كتاب نسب بني العباس تأليف أبي موسى هرون بن محمد بن إسحاق بن موسى بن عيسى الهاشمي قال : حدثني علي بن عيسى بن محمد قال : سمعت أبي يقول : خرجنا مع أمير المؤمنين هرون رضي الله عنه ونحن نريد أن نغزو ، فمررنا بعسكرنا ونزلنا على نهر بين خساف وبين حلب يقال له سبعين ، فتحدث أمير المؤمنين مع قوم من بني هاشم من ساكني حلب ، وجاءوا بلغط من القول ، فقال لنا : (٢٢٢ ـ ظ) إني أريد أن أتفرد اليوم في مسيري فلا يدنو مني أحد إلا أنت.
قال : فمضى غير بعيد فتنكب عن الطريق فبصر برجل حسن الوجه يمشي خلف فدان يحرث عليه وهو يبكى ، فقصده فإذا عليه فرو مقلوب الجلد على ظهر جسده والصوف الى خارج ، فسلم عليه أمير المؤمنين وأعجبه حسن وجهه ، فقال : اسقني يا فتى ماء ، فقال : نعم يا سيدي ، ففزع إليه وترك الفدان وقال : تصير معي الى القرية فأسقيك ماء باردا؟ فقال : نعم ، فعدا بين يديه وهرون يتلوه حتى جاء القرية ، فأخرج مفتاحا ، ففتح بابا وخرجت منه صبية ظاهرة الوضاءة يبين عليها سوء الحال ، وأخرج قدحا فغسله ، ثم قال : يا سيدي تشرب ماء على الريق ، هل لك أن
__________________
(١) لعلها التي تعرف الآن أحيانا باسم تل الحواصيد وأحيانا بالحانوته ، وتبعد عن حلب مسافة ٦٠ كم ، التقسيمات الادارية ، ٢٨٨.