الفتنة ، واجتمع الناس على عبد الملك ، وتكافّت قيس وتغلب عن المغازي بالشام والجزيرة ، وظن كل واحد من الفريقين أن عنده فضلا لصاحبه ، وتكلم عبد الملك ، ولم يحكم الصلح ، فبينا هم على تلك الحال ، إذ أنشد الأخطل عبد الملك ، وعنده وجوه قيس قوله :
ألا سائل الجحاف هل هو ثائر |
|
بقتلى أصيبت من سليم وعامر (١) |
حتى أتى على آخرها ، فنهض الجحاف بن حكيم يجر مطرفه حتى خرج من عند عبد الملك ، ثم شخص من دمشق ، حتى أتى منزله بباجروان من أرض البليخ ، وبين باجروان وبين شط الفرات ليلة ، ثم جمع قومه بها ، فقال : إن أمير المؤمنين استعملني على صدقات تغلب ، فانطلقوا معي ، فارتحل ، وانطلقوا معه وهو لا يعلمهم ما يريد ، وجعلت امرأته عبلة تبكي حين ودعته ، ثم أتى بهم شط الفرات منازل بني عامر ، فقال لهم مثل ذلك ، وجمعهم (١٧٠ ـ و) فارتحلوا معه ، ثم قطع بهم الفرات إلى الرصافة ، وبينها وبين شط الفرات ليلة ، وهي قبلة الفرات ، حتى إذا كانوا بالرصافة قال لهم : إنما هي النار أو العار ، فمن صبر فليتقدم ، ومن كره فليرجع ، فقالوا : ما بأنفسنا رغبة عن نفسك ، فأخبرهم بما يريد ، فقالوا : نحن معك ، فيما كنت فيه من خير وشر ، فارتحلوا فطرقوا صهينا بعد روية من الليل ، وهي في قبلة الرصافة ، بينهما ميل ؛ ثم صبحوا عاجنة الرحوب ، وهي في قبلة صهين ، والبشر واد لبني تغلب ، وإنما سمي البشر برجل من قاسط يقال له البشر ، كان يخفر السابلة ، وكان يسلكه من يريد الشام من أرض العراق بين مهبّ الدبور والصبا معترض بينهما يفرغ سيوله في عاجنة الرحوب وبينهما فرسخ وبين عاجنة الرحوب وبين الرصافة ثلاثة فراسخ ، والبشر في قبلة عاجنة الرحوب ، ودمشق في قبلة البشر.
__________________
(١) ديوانه ط. بيروت ١٨٩١ ، ص ٢٨٨.