قسطنطينية مائة ميل في مستوى من الارض ، ثم يمر الخليج حتى يصب في بحر الشام ، وعرضه عند مصبه ذلك مقدار غلوه (١٥٧ ـ و) سهم أيضا ، وهنالك زعموا صخرة عليها برج فيه سلسلة تمنع المسلمين من دخول الخليج ، وطول الخليج من بحر الخزر الى بحر الشام ثلاثة وعشرون ميلا تنحدر المراكب فيه من بحر الخزر وتيك النواحي ، وتصعد فيه من بحر الشام الى القسطنطينية.
وقال أبو الحسين بن المنادي : حدثنا جدي رحمه الله قال : حدثنا يزيد بن هرون قال : أخبرنا العوام بن حوشب قال : حدثني شيخ كان مرابطا بالساحل قال : خرجت ليلة بحرس الى الميناء ، ولم يخرج تلك الليلة أحد غيري ، فصعدت الميناء ، فكان يخيل الي وأنا مستيقظ أن البحر يشرف حتى يحاذي برءوس الجبال ففعل ذلك مرارا وأنا مستيقظ ، ثم نمت فرأيت في النوم كأن الراية يبدي وأنا أمشي أمام أهل هذه المدينة ، وهم يمشون خلفي ، فلما أصبحت رجعت ، فاستقبلني أمير المدينة ، وأبو صالح مولى عمر بن الخطاب رحمه الله ، فكانا أول من خرج من المدينة فقالا لي : أين الناس؟ قلت رجعوا قبلي ، قالا : لم تصدقنا ، انحن أول من خرج من المدينة ، قال : قلت : لم يخرج أحد غيري ، قالا : فما رأيت؟ قلت :والله لقد كان يخيل إليّ أن البحر يشرف حتى يحاذي برءوس الجبال ، ففعل ذلك مرات وأنا مستيقظ ، ثم نمت ، فرأيت كأن الراية بيدي ، وأنا أمشي أمام أهل هذه المدينة ، وهم يمشون خلفي ، فقال أبو صالح : صدقت ، حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس من ليلة إلا (١٥٧ ـ ظ) والبحر يشرف على الارض ثلاث مرات يستأذن الله في أن ينتضح عليهم ، فيكفه الله ، وأما ما رأيت من الراية فان تصدق رؤياك تفز بأجر أهل هذه المدينة الليلية ، قال : وكان أبو صالح مباعدا لي قبل ذلك ، فكأنه استأنس بي ، فجعل يحدثني ، وذكر كلاما قطعناه.