فأما بزاغا فكان لها حصن مانع وعليه خندق وآثاره باقية إلى يومنا هذا ، وكان الروم قد استولوا على هذا الحصن في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ، فتحه ملك الروم بالسيف ، ثم اندفع وعاد في سنة اثنتين وثلاثين وفتحه بالأمان ، ثم غدر بهم ونادى مناديه من تنصر فهو آمن ، ومن أبى فهو مقتول أو مأسور ، فتنصر منهم أكثر من خمسمائة إنسان ، منهم القاضي والشهود ، وانقطعت الطرقات على طريق بزاغا وصارت على طريق بالس ، وضاق بالمسلمين الخناق ، فاستنقذه أتابك الشهيد زنكي من أيديهم في محرم سنة ثلاث وثلاثين (٩٤ ـ و) وخرب الحصن والبلد عامر.
وأما الباب فهي أكثر عمارة من بزاغا ، وكان فيها مغائر تعصمهم من الغارات ، وكان بها طائفة كثيرة من الإسماعيلية ، فاجتمع النبويه في ... ، (١) وزحفوا إلى الباب فاعتصموا في المغائر فاستخرجوهم منها بالدخان ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وليس بها في زمننا هذا منهم إلا القليل ، وقد كثرت عمائر الباب ، واتسعت وصارت مصرا من الأمصار ، وعمر فيها الأتابك طغرل الظاهري خانا للسبيل ، ومدرسة لأصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه ، وكنت في أيام الصّبى أتردد إليها ، فازدادت عمارتها على الضعف مما كانت ، ولأبي عبد الله محمد بن نصر القيسراني فيها أبيات شاهدتها بخطه ، وأخبرنا بها أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي إجازة عنه قال : ومررنا بسقي الباب وهي ضيعة حسنة الظاهر كثيرة المياه والشجر فقلت ارتجالا :
__________________
(١) فراغ بالاصل يمكن ملؤه بعبارة «سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة» وذلك اعتمادا على ما جاء في زبدة الحلب ٣ / ٣٢. والنبويه هو التنظيم الشعبي السني الذي خلف جماعة الاحداث ، وقد وصفهم ابن جبير في رحلته ص ٢٦٩ فقال : «هم سنيون يدينون بالفتوة وبأمور الرجولة كلها ، وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه يحزمونه السراويل ، فيلحقوه بهم ، ولا يرون أن يستعدى أحد منهم في نازلة تنزل به ، لهم في ذلك مذاهب عجيبة ، واذا أقسم أحدهم بالفتوه بر قسمه ، وهم يقتلون هؤلاء الروافض ـ الاسماعيلية ـ أينما وجدوهم ، وشأنهم عجيب في الانفة والائتلاف».