قال : ثم إنّ العباس بن الوليد بن عبد الملك صار إلى مرعش ، فعمرها وحصنها ونقل الناس إليها ، وبنى لهم مسجدا جامعا ، وكان يقطع في كل عام على أهل قنّسرين بعثا إليها ، فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص ، خرجت الروم فحصرت مدينة مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء ، فخرجوا نحو الجزيرة وجند قنّسرين بعيالاتهم ، ثم أخربوها ، وكان عامل مروان عليها يومئذ الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي ، وكان الطاغية يومئذ قسطنطين بن اليون ، ثم لما فرغ مروان من أمر حمص وهدم سورها بعث جيشا لبناء مرعش ، فبنيت ومدّنت ، فخرجت الروم في فتنته فأخربتها ، فبناها صالح ابن علي في خلافة (٨٣ ـ و) أبي جعفر المنصور ، وحصنها وندب الناس إليها على زيادة العطاء ، واستخلف المهدي ، فزاد في شحنتها وقوّى أهلها.
قال البلاذري : وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال : خرج ميخائيل من درب الحدث في ثمانين ألفا فأتى عمق مرعش ، فقتل وأحرق ، وسبى من المسلمين خلقا ، وصار الى باب مدينة مرعش وبها عيسى بن علي ، وكان قد غزا في تلك السنة ، فخرج إليه موالي عيسى وأهل المدينة ومقاتلتها ، فرشقوه بالنبل والسهام ، فاستطرد لهم حتى إذا نحاهم عن المدينة كر عليهم ، فقتل ثمانية نفر من موالي عيسى ، واعتصم الباقون بالمدينة فأغلقوها ، فحاصرهم بعض نهار ، ثم انصرف حتى أتى جيحان ، وبلغ الخبر ثمامة بن الوليد العبسي وهو بدابق وكان قد ولي الصائفة سنة إحدى وستين ومائة ، فوجّه إليه خيلا كثيفة ، فأصيبوا إلّا من نجا منهم ، فأحفظ ذلك المهدي ، واحتفل لإغزاء الحسن بن قحطبة في العام المقبل ، وهو سنة اثنتين وستين ومائة (١).
__________________
(١) فتوح البلدان ١٩٢ ـ ٩٤.