ابن الأصبهاني خليفة القاضي العباس بن أحمد الخواتيمي على طرسوس الى بغداد ، فندب للخطبة أبو صالح عبد الغفار بن الحراني الوراق عوضا منه (٧٠ ـ ظ) فقام مقامه ، وأقام أبو صالح عند خروج الناس بطرسوس لعلة منعته من الحركة بها توفي ، وما زال أبو صالح يخطب مدة أيام منازلة نقفور إيّانا ، فلما انتهينا الى الأيام التي وادعناه فيها للخروج عن طرسوس اعتلّ أبو صالح علة حالت بينه وبين الصلاة ، واحتاج الناس في آخر جمعة جمعوها بطرسوس إلى خطيب فسئل أبو الحسن بن الفياض الصلاة ، وقد كان عاد من مصر معذرا لم ينل في الوفادة ما تمنى من أرسله لها ، فأبى ، وقال : ما أحب أن أكون آخر خطيب خطب بطرسوس ، وحضرت الصلاة فصلى بالناس يومئذ أبو ذر ، رجل من أبناء طرسوس ، شيخ من أهل العلم كان سافر وغاب عن طرسوس عدة سنين ، وعاد الينا في تلك الأيام ، فهو آخر من خطب على منبر طرسوس يوم الجمعة العاشر من شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، لأن خروج الناس كان عنها في يوم الاربعاء النصف من هذا الشهر في هذه السنة ، وأقام المؤذنون في ذلك اليوم وأخذوا في الأذان ، فسهوا فأقاموا ، فرد عليهم فأذنوا ، وقام أبو ذر فخطب ، فلما أتى الدعاء للسلطان خطب للمعتضد ، ورد عليه ، فتمم خطبته ونزل ، فأقيمت الصلاة وكبر وقرأ في الركعة الاولى بفاتحة كتاب ، وسورة والشمس وضحاها (٧١ ـ و) ، وفي الركعة الثانية بسورة الحمد وسورة إذا زلزلت الأرض زلزالها.
فلما سلم قام أبو عبد الله الحسين بن محمد الخواص قائما في قبلة المسجد ، واستقبل الناس بوجهه وقال : يا معشر أهل طرسوس أقول فاسمعوا : هذا المقام الذي كان يتلى فيه كتاب الله العظيم ، هذا المقام الذي كانت تعقد فيه المغازي الى الروم ، هذا المقام الذي كان يصدر عنه أمر الثغور ، هذا المقام الذي كانت تصلى فيه الجمع والأعياد ، هذا المقام الذي يأوي إليه