البلد الخامس عشر :
بولاق (١)
وهي حادثة أوائل القرن الثامن بساحل نيل مصر وما يجاوره ، وبها من الجوامع عدة ؛ من أقدمها للعزّ أيدمر (٢) ، أحد خواصّ الناصر محمد بن قلاوون ويعرف بالخطيري ، وكلّ من جامع الواسطي والأسيوطي (٣) الذي جدّده ابن البارزي بعده بدهر ، إلى غيرها من القصور ، والرّبوع ، والبساتين ، والمتنزّهات ، والمناظر ، والأسواق ، والحواصل ، والشّون ، والحمّامات.
ولقد اتسعت جدا ، وكثر أهلها ، وصارت من البلاد الهائلة ، ولا زال الرؤساء من حين ابتدائها وهلمّ جرّا يتعاهدون أماكنهم فيها للتنزّه ؛ بل تكرّر نزول المؤيد شيخ المحمودي لذلك بالقصر البارزي منها ، وربما أقام فيه الشهر ؛ لكن في حال (٤) توغّله وأما في الصّحة فدون ذلك ، ويصلي الجمعة هناك ، وكان يمرّ في تلك الليالي من النّزه والبسط ما لا مزيد عليه ؛ مع الإعراض عن قبيح المنكرات لإعراضه عنها. وبالجملة فهي أقلّ في انتشار الفساد من غيرها ، وقلّ أن تخلو عن مدرّس ، وقاض. وقد كتبت بها عن جماعة.
١٥ ـ أخبرني أبو العباس أحمد بن علي الأنصاري ، بقراءتي عليه ببولاق ، أنا
__________________
(١) انظر «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار»للمقريزي ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢. قال الزّبيدي في «التاج»(بلق) : و (بلاق) كغراب ، والعامّة تقول (بولاق) ك طوبار ، مدينة كبيرة على ضفة النيل ، على فرسخ من مصر. ا ه.
(٢) ويعرف بجامع التوبة. بناه الأمير عز الدين أيدمر الخطيري ؛ حيث بالغ في عمارته ، وتأنق في رخامه ، فجاء من أجلّ جوامع مصر وأحسنها. انظر «المواعظ والاعتبار»للمقريزي ٢ / ٣١٢.
(٣) انظر المصدر السابق ٢ / ٣١٥.
(٤) في الأصل : «خلل»وفي الهامش : «حال»وكتب بجانبها إشارة «صح».