الأضداد تتفاوت ، والبياض والصفرة ولو كانا ضدين لكن ليس بينهما من الضدية ما بين البياض والسواد بل بينهما كما بين السواد والحمرة فيسبق إلى الوهم أنهما فى الحقيقة شيء واحد فيحكم بالجمع بينهما عند المفكرة كالمثلين ، وإذا حكم العقل بهذا فهو تابع للوهم وإلا فهو عند الملاحظة الحقيقية يحكم بأنهما نوعان متباينان داخلان تحت جنس هو اللون فيجوز أن يقال على هذا : هذا الأصفر حسن ، وذلك الأبيض أحسن منه ، لوجود الجامع الوهمى فإن قيل : فهل يمتنع العطف عند الملاحظة العقلية أو يجوز تغليبا للملاحظة الوهمية مطلقا. قلت : الأقرب الجواز عند الغفلة العقلية ، والمنع عند عدمها كدخول اللام على العلم للمح الأصل ومنعها عند عدمه ، فانظره.
(ولذلك) أى ولأجل أن ما بينهما شبه التماثل عند الوهم يحتال الوهم فى جمعهما بذلك عند المفكرة ، فيصح العطف أى : ولأجل ذلك (حسن الجمع) بالعطف (بين الثلاثة) المتباينة ، لتخيل الوهم فيها تماثلا كما تخيل فى البياض والصفرة وهى (التى) وجدت (فى قوله) يمدح المعتصم وسماه بكنيته أبا إسحق (ثلاثة تشرق الدنيا) (١) أى : تضيء (ببهجتها) أى : بحسنها ونورها (شمس الضحى وأبو إسحق والقمر) فهذه الثلاثة عند النظر والتأمل متباينة ، بناء على أن الشمس كوكب نهارى مضىء لذاته ، والقمر كوكب ليلى مطموس لذاته مستفاد نوره من نور غيره وهو الشمس ، وأبو إسحق إنسان عم هداه وغناؤه فى زعم الشاعر جميع العالمين ، بحيث يشبه عموم هداه ونفعه بعموم نور الشمس فى التوصل إلى الأغراض لكن يسبق إلى الوهم تماثلها فى الإشراق وأنها نوع واحد إنما تمايزت بالعوارض ، أما التوهم فيما بين القمر والشمس فواضح ، وأما فيما بينهما وأبى إسحق فلكثرة تشبيه عموم النفع والغناء بنور الشمس ، حتى صار بحيث يتوهم أن له إشراقا يهتدى به فى المحسوسات ، فأبرزها الوهم فى معرض المتماثلات ولذلك عطف بعضها على بعض ، وهذا المثال ولو كان من عطف المفردات
__________________
(١) البيت فى الأغانى ص (٨٠) ، فى ترجمة محمد بن وهب وفيه اختلاف يسير «ببهجتهم» بدل «ببهجتها» وهو فى شرح عقود الجمان ص (١٨٧) منسوب لأبى تمام ، وبلا نسبة فى تاج العروس (٢٥ / ٥٠٠) (شرف).