ومعنى ، ولم يعطف الثانية على الأولى ، لكمال الانقطاع ، وفى هذا المثال شيء ؛ لأنه إن كان كما قيل : قوله : نزاولها رفع الفعل فيه ؛ لأن الغرض جعل مضمون الثانية علة للأولى ، فكأنه قيل له : لماذا أمرت بالإرساء؟ فقال : نزاولها أى : لنزاول أمر الحرب ، إذ لو أراد تعليل الثانية بالأولى لجزم فيكون التقدير : إن وقع الإرساء نزاولها أي : إن وقع كان سببا وعلة لمزاولتها ؛ لأنه لا تمكن مزاولتها إلا بالإرساء فيكون الكلام على حد قوله : «أسلم تدخل الجنة» أى : إن أسلمت كان سببا لدخول الجنة ، كان ذلك مقتضيا بنفسه ترك العطف من غير مراعاة كمال الانقطاع ؛ لأن الجملة حينئذ تكون استئنافية منقطعة عما قبلها ، ولا يصح عطفها على المستأنف عنها على ما يأتى إن شاء الله تعالى فى شبه كمال الاتصال ، وإن كان نزاولها جملة أجنبية ليست علة لما قبلها ، وليس ما قبلها علة لها فغير ظاهر ؛ لأن الكلام لا ينتظم إلا بما قرر أولا كما لا يخفى ، اللهم إلا أن يقال لهذا الكلام جهتان وجود الإنشائية والخبرية ، وهو كمال الانقطاع الموجب للفصل ، وهو المدعى فى التمثيل ، ووجود الاستئنافية ، وهو مانع من العطف أيضا ، ولا يخلو من تعسف ، وينبغى أن تتنبه إلى ما أشرنا إليه من أن كون الجملة الأولى علة يوجبها الجزم ، وكون الثانية علة يوجبها الرفع ، أمران متلازمان ؛ لأنه إذا كان الحامل على الأمر بالإرساء مزاولتها ، كان نفس الإرساء سبب المحاولة ، إذ هى مآل الإرساء ؛ وإنما اختلفا بالاعتبار على حسب ما يقتضيه الجزم فيقدران الشرط ، وهو سبب أقوى ، أو الرفع فيقدر السؤال عن العلة المجاب بها ، وهى علة تالية ، فافهم.
ثم إن جملتى «أرسوا» و «نزاولها» فى هذا الشطر معمولتان لقال ، فالأولى منهما لها محل من الإعراب ، وكلامنا هنا فيما لا محل له من الإعراب ، فالتمثيل غير مطابق ، وقد أجيب بأن المثال باعتبار المحكى عنه والجملتان باعتباره لا محل لهما لا باعتبار الحكاية ، ورد بأنه تعسف لظهور أن المثال : إنما هو هذا الشطر ، والجملتان فيه معمولتان ، وعليه فالمثال لمجرد ما فيه كمال الانقطاع لا بقيد كونهما مما لا محل له من الإعراب ، والتحقيق كما قال بعض المحققين : إن المثال باعتبار المحكى عنه ، فالجملتان مما لا محل لهما ؛ وذلك لأن الغرض التمثيل بما أوجب فيه كمال الانقطاع الفصل ،