نزل منزلة المعلوم ، أو كون السؤال عنه لا يتعلق به الغرض ، والاستفهام إنما يكون عن المجهول حالا أو استقبالا مع تعلق الغرض ، ولما تعذر الاستفهام الحقيقى للعلم ، أو لعدم تعلق الغرض ، حمل على الإنكار بقرينة إظهار محبة ضد مدخولها ، ومعلوم أن إنكار النفى يتولد منه طلب ضده ومحبته ، فتضمن الكلام طلب النزول ، وعرضه على المخاطب ، ولكن يرد على هذا أن الطلب الذى هو العرض لم يتولد من الاستفهام الحقيقى الذى نحن بصدده ، وإنما تولد من مجازيه الذى لم يذكر أن الجواب يجزم بعده ـ تأمله.
ثم ذكر أن تقدير الشرط لا يختص ببعدية الأمور الأربعة السابقة فقال (ويجوز) تقدير الشرط مع الإتيان بالجواب (فى غيرها) أى بعد غير هذه الأربعة (لقرينة) دلت على ذلك وذلك (نحو) قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ)(١) فقوله تعالى فالله هو الولى جواب شرط مقدر (أى : إن أرادوا أولياء بحق) فالله هو الذى يجب أن يتولى وحده ، ويعتقد أنه هو المولى والسيد لا يشاركه أحد فى ذلك ، والقرينة وجود الفاء الجوابية فى الجملة مع دلالة أداة الاستفهام فى الجملة قبلها على إنكار اتخاذ سواه تعالى أولياء ، فيفهم منه صريحا أن من أراد اتخاذ سواه تعالى فهو فى ضلال وهلاك ، ويفهم منه ضمنا أن من أراد ما لا نواء معه ، وأراد الاستمساك بالعروة التى لا تنفصم ؛ فليتخذ الله تعالى وليا دون غيره ، فحذف الشرط ، وأتى بلازم الجواب فى موضعه ، فأصل الكلام على هذا إن أرادوا أولياء بلا بطلان ، أى : بلا فساد وخلل وصفا ، وذاتا ، وحالا ، ومآلا ، فليتخذوا الله تعالى وليا ؛ لأنه تعالى هو الولى المنفرد بالقدرة العامة ، والمشيئة التامة ، والعزة الباهرة ، وصح الجواب بمضمون الجملة ، لكونه علة للجواب كما قدرنا ، وعلى هذا لا يرد أن يقال لا يصح الجواب بالجملة الاسمية عن الشرط لمضيه ودلالتها على الدوام ، مع أن إرادة الولى لا يكون سببا فى كون الله تعالى هو الولى ، وإنما قلنا : إن هذا ليس مما تقدم ؛ لأن الاستفهام الحقيقى لا يصح هنا ، وإنما المراد به الإنكار ، بمعنى لا ينبغي أن يتخذوا غير الله تعالى وليا ؛ ولأجل أن هذا معنى
__________________
(١) الشورى : ٩.