أن نفيه من شأنه أن يلحق بالظواهر والضروريات التى لا تنكر ، (ولذلك) أى : ولأجل تضمن كلامهم المبالغة فى إنكار الفساد الذى اتصفوا به (جاء) قوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ)(١) (ل) أجل (الرد عليهم) بإثبات الفساد لهم حال كون ذلك القول (مؤكدا بما ترى) أى مصاحبا للتأكيد بأمور كثيرة منها : كون الحكم فى صورة الجملة الإسمية المفيدة للدوام ، والثبوت ، ومنها : تعريف الجزأين أعنى : المبتدأ والخبر فى قوله تعالى (هُمُ الْمُفْسِدُونَ) وتعريفهما يفيد الحصر المتضمن ؛ للتأكيد لأن المنفى فيه يتضمن نفيه إثبات مقابله ، كما أن المثبت فيه يتضمن إثباته نفى مقابله ، ومنها توسط ضمير الفصل المفيد لتأكيد الحصر المستفاد من تعريف الجزأين مع أنه رابطة مفيدة لتأكيد النسبة ، ومنها : تصدير الكلام بحرف التنبيه الدال على أن مضمون الكلام مما له خطر يوجب العناية بإثباته ، ومنها : تعقيبه بما يدل على التقريع والتوبيخ وهو قوله تعالى (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(٢) لإفادته أنهم من جملة الموتى الذين لا شعور لهم وإلا لأدركوا إفسادهم بلا تأمل ، ثم لما كان لإنما مزية ظاهرة على العطف أفادها بقوله ، (ومزية إنما على العطف) بلا وغيرها مما يفيد الحصر ثابتة ب (أنها) أى إنما (يعقل منها الحكمان معا) أى : يعقل منها حكم الإثبات والنفى المفادين بالحصر دفعة بخلاف العطف فإنك إذا قلت : قام زيد لا عمرو يعقل أولا إثبات القيام لزيد ثم يعقل ثانيا نفيه عن عمرو وكذا يتعقل العكس فى قولك : ما قام زيد بل عمرو إذا يعقل أولا نفى القيام عن زيد ثم إثباته لعمرو ، وأما النفى والاستثناء والتقديم ففيهما تعقل الحكمين أيضا معا ، فلم تظهر هذه المزية لإنما عليهما ، ولذلك لم يتعرض لهما مع أن لها على التقديم مزية من حيث احتمال كون المقدم معمولا لشيء آخر وعلى النفى ، والاستثناء من حيث توقف الاستثناء فى الإفادة على المستثنى منه والفرق بين الاستثناء والعطف أن صورة العطف تحتمل الاستقلال والاستثناء مرتبط بالمستثنى منه فيفيد الحكمين بواسطة ذلك الارتباط.
__________________
(١) البقرة : ١٢.
(٢) البقرة : ١٢.