ويرد هاهنا أن يقال : قد تقدم أن هذا الفعل إنما قصد فيه مجرد الثبوت من غير اعتبار عموم أو خصوص ، وإذا لم يعتبر فيه العموم فكيف يفيده.
نعم لو قيل فيما تقدم إن القصد إلى مطلق الثبوت من غير تقييد بقصد عموم أو خصوص أمكن أن يقال مطلق الثبوت لمقصود قد يقصد معه عموم ، وأما حيث قيل من غير اعتبار عموم فكيف يفيد الفعل ما نفى اعتباره فيه؟ وقد أجيب بأنه لا يلزم من نفى اعتبار الشيء نفى وجوده ؛ لأن عدم اعتبار الشيء ليس هو باعتبار لعدمه ، فيصح أن لا يعتبر الشيء ويوجد مع ذلك فلا قصد كما تقدم من أن قصد التخصيص يصح معه وجود التقوى فى قولنا : زيد يعطى ولو لم يقصد ؛ لأن موجبه من تكرار الإسناد موجود ، ولكن هذا الجواب لا يخلو من ضعف مادام محمولا على ظاهره ؛ لأن ما يستفاد من التركيب بلا قصد ليس من البلاغة فى شيء والغرض هنا ما أن يكون من باب الاعتبار المناسب والاعتبار المناسب هو ما قصد ، ولأجل هذا يقال : إن ما يستفاد من التركيب الصادر من غير البليغ لا يلتفت إليه فى مدح الكلام به لعدم صحة قصده إياه فليس من الاعتبار المناسب فى شيء.
ويمكن أن يحمل على معنى أن العموم ليس مقصودا أولا ؛ بل المقصود أولا مطلق الثبوت الذى ليس فيه عموم ليتوصل به إلى العموم بواسطة دفع التحكم فيكون الفعل المطلق عن العموم كناية عنه عاما بواسطة المقام ؛ لأنه كما صح أن يجعل كناية عن نفسه متعلقا بمفعول خاص كما يأتى يصح أن يجعل كناية عن عمومه فى نفسه من غير تقدير مفعول فعلى هذا يصح الجواب فليتأمل.
وعليه يكون معنى قولنا : فلان يعطى يوجد جميع أشخاص الإعطاءات ، ويلزم انحصارها فيه بحيث لا توجد لغيره وهو واضح ، وأما ما قيل من أن المعنى تنحصر فيه جميع الإعطاءات وينحصر فيها بحيث لا يوجد إلا الإعطاء كما لا يوجده غيره وأن ذلك هو مراد السكاكى بقوله بالطريق المذكور ؛ لأنه إشارة إلى ما قرر فى الحصر فتخييل فاسد ؛ لأن قولنا فلان يعطى لا يدل على أنه لا يفعل إلا الإعطاء قطعا ، ولو دل باللزوم على أن الإعطاءات له دون غيره فليتأمل