وذلك ؛ لأنه لما كان الغرض منهما إثبات الحكم بطريق الكناية التى هى أبلغ من الحقيقة ؛ لأن فيها الانتقال من الملزوم إلى اللازم فإثبات الحكم بها كإثبات الدعوى بالدليل على ما يأتى ـ إن شاء الله تعالى ـ كان التقديم الذى فيه تقوية الحكم مؤكدا لذلك الإثبات البليغى ، فهو أعون على التقرير والتثبيت على وجه التأكيد الحاصل بطريق الكناية ، وإنما قال كاللازم ولم يقل لازما مع أنه لم يسمع التأخير إذا أريد بالتركيبين معنى الكناية إشارة إلى أن القواعد لا تقتضى وجوب التقديم ولكن اتفق عدم الاستعمال إلا مع التقديم فأشبه ما اقتضت القواعد تقديمه كالمحصور بإلا حتى لو استعملت خلافه عند قصد الكناية ، وقلت (لا يبخل مثلك ولا يجود غيرك) كان كما قال الشيخ عبد القاهر كلاما منبوذا طبعا ، ولو اقتضت القواعد جوازه (قيل وقد يقدم) المسند إليه إذا كان غير جزئى وسور بالسور الكلى على المسند المقرون بحرف النفى (لأنه) أى : التقديم على الوجه المذكور (دال على العموم) أى : على عموم السلب وشمول النفى لكل فرد من أفراد الموضوع ، والمقام يقتضى ذلك (نحو كل إنسان لم يقم) فإن تقديم كل إنسان على لم يقم يفيد سلب القيام عن كل فرد فرد ، وذلك معنى عموم السلب (بخلاف ما لو أخر) المسند إليه فى هذا التركيب (نحو) قولك (لم يقم كل إنسان فإنه) أى : التأخير فيه (يفيد نفى الحكم) الذى هو القيام (عن جملة الأفراد) أى : عن مجموعها الصادق بالسلب عن البعض ، وهو المحقق ، فيحمل عليه معنى التركيب تفريقا بين التقديم والتأخير ، فيكون المعنى السلب عن البعض (لا عن كل فرد) كما فى التقديم فيرتكب ذلك التأخير ، ليفيد السلب عن البعض إذا اقتضاه المقام ، وقوله وقد يقدم إن أعيد الضمير على المسند إليه المعين في المثال بدليل قوله بخلاف ما لو أخر كانت قد للتحقيق وإن أعيد على المسند إليه فى الجملة فهى للتقليل ؛ لأن هذا التركيب باعتبار غيره قليل ، وإنما كان التقديم فيما ذكر لعموم السلب ، وشمول النفى ، والتأخير لسلب العموم ونفى شمول النفى فقط أى : لبيان أن هذا النفى لم يعم جميع الأفراد ، ولا شملها جميعا ، بل البعض (لئلا يلزم) لو انعكس المفاد بالتقديم ، والتأخير بأن يكون مفاد الأول نفى الشمول ومفاد الثانى شمول النفى (ترجيح التأكيد على التأسيس) ومعلوم أن التأسيس الذى هو إنشاء معنى لم يكن حاصلا قبل أرجح من التأكيد الذى هو إفادة ما