ثم قال السكاكى (وإذ قد صرح الأئمة) أى : ولأجل أن أئمة البيان صرحوا (بتخصيصه) أى : بإفادته التخصيص (حيث تأولوه) أى : بينوا مفاده (ب) قولهم إن معناه (ما أهر ذا ناب إلا شر) فلا بد من إبداء وجه يقع به الجمع بين حكمنا بامتناع تخصيص الجنس ، والفرد فيه ، وحكمهم بوجود التخصيص بالتأويل السابق (والوجه) فى ذلك (تفظيع شأن الشر) أى : جعل شأن الشر مدلولا على فظاعته وشناعته (بتنكيره) ؛ لأن التنكير يفيد التعظيم ، والتهويل ، فإذا كان المراد وصف الشر بالعظمة كان التقدير شر عظيم أهر ذا ناب لا شر حقير ، فيكون فى هذا الكلام التخصيص النوعى المستفاد من الوجه المصحح للابتداء من غير حاجة إلى تكلف تقدير التقديم ، والمانع إنما كان من تخصيص الجنس ، والفرد اللذين لا سبيل إليهما إلا بتقدير التقديم ، ولا يخفى ما فى هذا الكلام من التحكم فى التزام تقدير التقديم فيهما دون النوعى فإن اعتبار تقدير الوصف ليتحقق جواز الابتداء مع التخصيص الوصفى هو المغنى عن تقدير التقديم فى النوعى دونهما ، فتجويز الابتداء يمكن بتقدير الوصف أو الموصوف فيهما أيضا بأن يكون المعنى فى الإفراد مثلا رجل واحد جاءنى وفى الجنس مثلا واحد من جنس الرجال جاءنى وسيأتى ما يستلزم هذا المعنى فى كلام المصنف ومع ذلك فلا يفيد ما ذكر توفيقا بين كلام السكاكى ، والأئمة ، فإن حاصل كلامه بيان تخصيص يسوغ به الابتداء ، وعلى تقدير وجود معنى الحصر فيه فمن مفهوم الوصف الذى يكون مع التقديم والتأخير أيضا وكلام الأئمة صريح فى أن تخصيصه تخصيص التقديم المطابق للحصر بما وإلا كما ذكر السكاكى حكاية عنهم فتأمل.
(وفيه) أى : وفيما ذهب إليه السكاكى (نظر إذ الفاعل اللفظى والمعنوى سواء) أى : متساويان (فى امتناع التقديم ما بقيا على حالهما) فإن الفاعل المعنوى هو ما يكون تأكيدا ، أو بدلا عند التأخير ، فيكون تابعا والتابع مادام تابعا كالفاعل مادام فاعلا ، بل امتناع التابع مادام تابعا أولى ؛ لأن المراد بالتقديم هنا التقديم على العامل وتقديم الفاعل إنما فيه التقديم على العامل فقط وتقديم التابع فيه التقديم على المتبوع ، وعلى العامل فى المتبوع الذى هو فى الحقيقة عامل فى التابع فإن غيره كان مجازا كما يشعر به قوله قد