فذكره بعد تحققه تفصيلا ، فيكون كأنه ذكر إجمالا ثم تفصيلا وهذا الاقتضاء هو المراد بالاشتمال ، لا أن يكون مشتملا عليه كاشتمال الظرف على المظروف ، ولو كان قد يتفق فيه كقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ)(١) فإن الشهر الحرام ظرف للقتال الذى هو بدل اشتمال من الشهر وإذا علم هذا علم أن بدل الاشتمال مع المبدل منه لا بد أن يكون بحيث يصح إفادة المعنى بكل منهما فى التركيب ، ولو كانت الإفادة بالأول على وجه الإجمال لأن ما يقتضى الشيء قد يستغنى به عنه ، وهذا معنى قولهم : بحيث يصح إطلاق الأول على الثانى للقطع بأن ليس المراد بزيد من قولنا : سرق زيد ثوبه نفس الثوب ، ولكن لو قيل : سرق ثوب زيد صح المعنى فعلى هذا لا يكون قول القائل : ضرب زيدا غلامه بدل اشتمال لأن ضرب الغلام لا يشعر به ضرب زيد ولا يصبح استعماله مكانه ، وقد علم من تقرير وتمثيل بدل البعض والاشتمال أنهما لا يخلوان من بيان بعد إجمال وتفصيل بعد عموم كما تقدم ففيهما إيضاح للمبدل منه ، وبدل المطابقة قد يكون كذلك كما قيل فى قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)(٢) فإن الصراط الثانى بدل ، وفيه بيان أن الصراط المستقيم هو صراط المنعم عليهم بالإيمان والرضوان والهدى من كل ضلال ، فكان من حق المصنف أن يقول لزيادة التقرير والإيضاح كما قال غيره فإن قلت : قد قررتم أن حاصل الفرق بين عطف البيان والبدل أن الأول للإيضاح والثانى للإسناد لغرض من الأغراض مع الزيادة التى هى التقرير ، وقد أفضى بكم الأمر إلى نوعين من البدل لا يخلوان من إيضاح ، والثالث قد يكون فيه أيضا فهذا تدافع وتهافت قلت : الفرق أن عطف البيان ليس إلا للإيضاح أو ما يجرى مجراه والبدل إيضاحه تابع للإسناد وزيادة التقرير ، وليس هو المقصود بالذات مختصا كما فى عطف البيان فتأمل فى هذا المقام والله أعلم.
__________________
(١) البقرة : ٢١٧.
(٢) الفاتحة : ٦ ، ٧.