لقصد إثبات الحكم للفظين معناهما واحد ؛ لأن المحكوم عليه فى التحقيق هو المعنى كما أن المحكوم به هو المعنى ، واللفظ واسطة ، فحينئذ إن أريد الحكم على الثانى من حيث مفهومه وخصوصه وغلط فى الأول أو نسى فأتى به كان الثانى بدل غلط أو نسيان ، وإن قصد الأول كان الثانى إضرابا وبداء قلت قصد الأول والثانى مع توجه عظم القصد إلى الثانى لا ينافيه اتحاد المعنى فقد يكون الغرض التعبير بهما معا إن اقتضى المقام اعتبار ما يشعر به كل منهما كأن يكون الأول علما اقتضى المقام تعيين المعنى به ، والثانى مضافا اقتضى المقام ما تضمنه من استعطاف أو ترهيب أو نحو ذلك كقولنا : جاءك زيد أخوك أو أتى أبوك ، والإضراب والبداء فى مختلفى المصدوق متباينى المعنى ، فالبدل يراعى فيه نسبة الحكم إلى المسند إليه بكل من اللفظين ، والثانى بالقصد أولى ؛ لأن به تم القصد فى الإسناد ، والأول كالوصلة فهذا هو الغرض الأصلى فى البدل ، ثم زيادة التقرير غرض حاصل مقصود بالتبع بخلاف عطف البيان فلمجرد التفسير لا لقصد الحكم بواسطة اللفظين ، وكذا التوكيد المراد به مجرد التحقيق ورفع الاحتمال فإن قلت : هذه اعتبارات عقلية خفية كيف يصح بناء قاعدة عربية عليها؟ وما الدليل على أن العرب لها هذه القصود وهذه التفريقات التى بنيتم عليها أن هذا بدل وهذا عطف بيان وهذا توكيد؟ قلت : حكم العربية وإن كانت سليقة أدق من هذا والمجمعون على التفريق بهذه الأشياء أمناء على فهم المقاصد بالممارسة وتتبع التراكيب ، ومقتضاها ودقائق النحو كلها على هذا النمط تأمله.
ثم أشار إلى أمثلة أنواع البدل فقال : (نحو : جاءنى أخوك زيد) هذا بدل المطابقة ، وقد حصل فيه التقرير بذكر ما دل على مصدوق الأول ولو اختلف مفهومهما (وجاءنى القوم أكثرهم) هذا بدل البعض وقد حصل فيه التقرير بذكر ما اشتمل عليه الأول بالدلالة الكلية فإن الأكثر بعض القوم ولا يخلو بدل البعض من بيان إجمالى وتوضيح المقصود (وسلب زيد ثوبه) هذا بدل اشتمال وقد حصل فيه التقرير من جهة أن الكلام السابق يقتضيه إجمالا ويشعر به فى الجملة بمعنى أن النفس قبل ذكره تتشوف لشيء يطلبه الكلام السابق ، ويشتمل عليه بالتقاضى وبنوع من الاستلزام