من آيته ؛ لأن المراد هذا الذى فعل معك من الإنكار ، وعدم التصديق شأن الكفرة مع الأنبياء فتأس بهم بالصبر حتى يأتى الفتح ، ثم وصف الأنبياء بما هم عليه فى نفس الأمر من الكثرة ، وظهور الآيات للإشارة إلى أن مثل هذا التكذيب قد وقع من الكفرة كثيرا ليس فيه دلالة على أنهم أعظم منك ، ولا أن آياتهم أعظم من آياتك ، فإن التأسي يكون بحصول مثل الواقعة فى الجملة ، ولا يلزم من ذلك كون صاحب الواقعة أعظم من المتأسي به ، وإلا توجه كون الكلام حينئذ عتابا إذ كأنه على هذا التقدير يقال : كيف لا تصبر ، وقد صبر من هو أفضل منك؟ وليس هذا النبى الأكرم بمحل لهذا الخطاب ولا مناط لهذا العتاب ولو كان للملك إلا على أن يقول ما شاء إذ خطابه تعالى كله صواب فإذا حقق له المنزلة العليا ، وأوجب له فضلا وكرما ما فى الدنيا والآخرة المحل الأسنى كان المعنى الأمر بالاقتداء بمن قبله الكثير ، والتسلى بمن مضى وكفر به مع ظهور دليله ؛ لأن ذلك وصف من قبله ؛ لأنه أرفع فى ذلك ممن بعده.
والحاصل أن التسلية بالرسل مع وصفهم بما هم عليه فى نفس الأمر لا يقتضى أنهم أعلى منه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فليفهم.
وقد يكون التنكير لمقابلى التعظيم والتنكير وهما التقليل والتحقير كقولك : حصل لى من فلان شيء أى حقير قليل حيث يقتضى المقام ذلك.
ثم لما مثل صاحب المفتاح بأمثلة من غير المسند إليه فى هذا المقام وتوهم بعضهم أنها مثال للمسند إليه ، فاحتاج إلى تكلف التأويل أشار المصنف إلى أن مراده التمثيل كغيره لئلا يتوهم اختصاصه بالمسند إليه فقال : (ومن تنكير غيره) أى غير المسند إليه (للأفراد أو النوعية) لمناسبة كل منهما المقام الذى ورد فيه ذلك التنكير (نحو) قوله تعالى : ((وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ)) (١) فيصح فيه كل فرد من أفراد الدواب من فرد نطفة معينة لأبيه هذا إذا أريد بالماء النطفة ، ولكن يجب حينئذ حمله على الكثير والجل لخروج آدم وعيسى ـ عليهماالسلام ـ ويحتمل أن يراد بالماء الفرد الذى هو جزء مادة ذلك الحيوان ؛ لأن الحيوان من التراب ، والماء والهواء والنار وهذا على إرادة الفردية وأما
__________________
(١) النور : ٤٥.