فقد أضيفت التجارة وهى فاعل مجازا إلى الضمير وهو الفاعل الحقيقى ، وهذا المثال أولى بالإلزام ؛ لأن قولنا : نهاره صائم يمكن التغيب فيه بادعاء جعل النهار لمعناه الحقيقى ، ثم جعل الضمير فى صائم الذى هو محل التجوز عائدا على النهار بمعناه المجازى على طريق الاستخدام كما تقدم ، وفى هذا من المناقشة مثل ما تقدم من لزوم التجوز بغير هذا المجاز إن كان التجوز فى نهار ؛ لأن التجوز مفروض من الفاعل دون المبتدأ اللهم إلا أن يراد بالفاعل هنا المعنوى ، ويلزم فيه حينئذ تحقق إضافة الشيء إلى نفسه ، ومن لزوم الاستخدام إن كان التجوز فى الضمير فيخلو المسند عن (و) يستلزم ما ذهب إليه السكاكى أيضا (أن لا يكون الأمر بالبناء) فى قوله تعالى حكاية عن فرعون (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً)(١) بل للعملة ؛ لأن هامان مرادف للضمير الذى وقع فيه التجوز فيكون فاعلا مجازيا فيجب على ما تقدم أن يراد به الحقيقى ، وهم العملة واللازم باطل لما علم من أن الخطاب معه والنداء إليه ؛ لأن فرعون لعلوه لا يباشر العملة.
(و) يستلزم ما ذهب إليه السكاكى أيضا (أن يتوقف) استعمال (نحو أنبت الربيع البقل) وشفى الطبيب المريض ، وسرتنى رؤيتك ، ويزيدك وجهه حسنا مما يكون الفاعل الحقيقى فيه هو الله تعالى (على السمع) أى يتوقف مثل هذا الاستعمال على سماعه من الشارع ؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية لا يسمى الله تعالى بما لم يسم به نفسه فى الكتاب ولا فى السنة سواء كان مجازا أو حقيقة ، لكن توقف هذا الاستعمال على السماع غير صحيح ؛ لأنه شاع استعماله من غير اختصاص بمن لا يجعل أسماء الله تعالى توقيفية من العرب الإسلامية وغيرهم أتقيائهم وغيرهم ، حتى كاد أن يكون إجماعا سكوتيا ، وقد علمت أن هذا إنما يتم إن سلم ما ذكره وإلا فيمكن أن يدعى أنه لا يقع إلا ممن لا يتحرى الأمور الشرعية ويتبع الإطلاق الجاهلى وهو بعيد ، ولا يجاب عن هذا الإلزام بأن مذهب السكاكى أن أسماءه تعالى غير توقيفية ؛ لأن الرد عليه ليس باستعماله هو بل باستعمال غيره ممن يذهب إلى غير ذلك مع عدم إنكار غيره فصار استعمالا صحيحا ، ولو كان كما ذكر السكاكى لتركه من يراها توقيفية أو لأنكر عليه.
__________________
(١) غافر : ٣٦.