حيث لم ينصب القرينة لأن يصدق عليه أنه ليس فى اعتقاد المتكلم ، وسيأتى أنه حقيقة ، زاد قوله : (فى الظاهر) لإدخاله ؛ لأنه هو له عند المتكلم فيما يظهر من حاله فلم يخرج عن التعريف إلا ما فيه إسناد لغير ما هو له عند المتكلم غيرا بحسب الظاهر لا غيرا فى نفس الأمر ولا فى الاعتقاد ، وإنما يكون غيرا عند المتكلم بحسب الظاهر إن نصب المتكلم قرينة على إرادة غير الظاهر كما يأتى فى تعريف المجاز فدخل فى الحقيقة هو ما لم تصحبه القرينة أربعة أقسام.
أولها : ما يطابق الواقع والاعتقاد معا (كقول المؤمن : أنبت الله البقل) فإن إنبات البقل فى الواقع لله تعالى ، وهو كذلك فى اعتقاد المؤمن (و) ثانيها : ما يطابق الاعتقاد دون الواقع (كقول الجاهل) وهو من يعتقد نسبة التأثير إلى الزمان بواسطة الأمطار (أنبت الربيع البقل) فإن إنبات البقل فى الواقع لله تعالى وفى اعتقاد الجاهل للربيع ، ويحتمل أن يراد بالربيع : المطر.
وثالثها : ما يطابق الواقع دون الاعتقاد كقول المعتزلى : خلق الله أفعال العبد الاختيارية إذا لم يعرف أنه يعتقد خلافه ، فقد طابق هذا الإسناد الواقع ؛ لأن خلق الأفعال كلها لله تعالى ولم يطابق اعتقاد المعتزلى لاعتقاده أن خالق الأفعال الاختيارية هو العبد ولما لم ينصب القرينة صدق عليه أنه إسناد لمن هو له بحسب ظاهر حال المتكلم فهو من الحقيقة ، ولم يمثل المصنف فى المتن لهذا القسم لقلة وجوده.
(و) رابعها : ما لا يطابق الواقع ولا الاعتقاد ك (قولك جاء زيد وأنت تعلم) فقط دون المخاطب (أنه لم يجئ) إما على وجه الكذب أو المداراة ، فهو من الحقيقة ولو لم يطابق واحدا منهما ؛ لأنه لما هو له فيما يظهر من حال المتكلم ، وإنما قال : وأنت تعلم يعنى دون المخاطب كما قررنا ؛ لأنه لو علم المخاطب أيضا جاز أن ينصب علمه قرينة على إرادة غير الظاهر لعلاقة ، فلا يتعين كونه حقيقة ، لكن يرد على هذا التقدير أنه لا يمتنع أيضا أن ينصب المتكلم قرينة غير علم المخاطب على أنه أراد غير ظاهره ولو اختص بالعلم ، وإن أريد نفى العلم عن المخاطب حالا ومآلا ـ وذلك بعدم القرينة مطلقا ـ لم يتأت كونه مجازا لفرض أن لا قرينة ، وذلك باطل ، ثم إنه على ذلك التقدير