ثم إن المجاز العقلى والحقيقة العقلية أوردهما غير المصنف فى علم البيان الموضوع لبيان ما يعرف به كيفية إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة ؛ لأن اختلاف الطرق يكون بالحقيقة والمجازية فى الجملة ، وأوردهما المصنف فى علم المعانى لأنهما من أحوال الكلام المفيد باعتبار عروضهما لإسناده الذى به صار مفيدا ، والكلام المفيد فيه تراعى المعانى الزائدة على أصل المراد ليطابق بها الكلام مقتضى الحال ، بخلاف الحقيقة والمجاز اللغويين فليسا من أحوال الكلام المفيد ، بل من أحوال أجزائه ، والمفيد من حيث إنه مفيد بالإسناد هو المعروض للمعانى الزائدة على أصل المعنى المراد ليطابق بها مقتضى الحال كما تقدم ، لكن يرد على هذا أنهما إنما يكونان من علم المعانى إن ذكرا فيه من حيث المطابقة لمقتضى الحال ، ولم يذكرا فيه من تلك الحيثية بل من حيث تفسيرهما وذكر أقسامهما ، وقد يجاب عن هذا بأن تصور حقيقتهما يدرك معه بسهولة مما يذكر فى علم المعانى كيفية الاستعمال للمطابقة لمقتضى الحال ؛ لأنه إذا علم أن المجاز يفيد تأكيد الملابسة علم أنه لا يعدل إليه إلا عند اقتضاء المقام لذلك التأكيد مثلا ، فكأنه ذكر ولو لم يصرح به لوضوحه (وهى) أى : الإسناد المسمى بالحقيقة العقلية ، ولذلك أنث الضمير (إسناد الفعل أو معناه) يعنى : إسناد لفظ الفعل أو إسناد لفظ دال على معنى الفعل الأصلى ، وهو الحدث لأنه هو الذى دل عليه جوهر اللفظ دون الزمان ، وذلك كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل والظرف والجار والمجرور ، وإنما قلنا إسناد لفظ ؛ لأن معروض الإسناد كما تقدم هو اللفظ لا المعنى إلا بتوسع (إلى ما هو له) أى : إلى شيء ذلك الفعل أو معناه لذلك الشيء ، يعنى أن إسناد لفظ الفعل أو لفظ دل على معناه إلى لفظ له أى : لمعنى ذلك اللفظ مدلول ذلك الفعل أو مدلول ذلك اللفظ الدال على معنى الفعل هو الحقيقة بالشرط الآتى ، فإذا قلنا : ضربت زيدا فقد أسندنا إلى الفاعل لفظ ضرب الدال على المعنى الذى هو وصف الفاعل ، فيكون حقيقة ، وكذا إذا قلنا ضرب عمرو بكسر الراء على أن عمرا مضروب ، فقد أسندنا إلى المفعول لفظ الفعل الذى هو ضرب الدال على وصف المفعول ، فيكون حقيقة ، وظاهر عموم ما أن المبتدأ داخل إذا أسند إليه ما