الريب يتضمن تأكيد نفى الريب وأيضا الخطاب للنبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه ، ولا إنكار لهم ، اللهم إلا أن يراعى حال السامعين من الكفرة ولهذا كله كان الأحسن جعله تنظيرا لا تمثيلا (وهكذا) أى : مثل اعتبارات الإثبات (اعتبارات النفى) فيقال فى خالى الذهن فى النفى : ما زيد قائم بلا تأكيد وهو الابتدائى ، وفى المتردد الطالب : ما زيد بقائم بالتأكيد المستحسن ، وهو الطلبى وفى المنكر : والله ما زيد بقائم بالتأكيد الواجب وهو الإنكاري ، وقد ينزل غير المنكر كالمنكر أيضا فيؤكد معه النفى ، فيقال فيمن ظهرت عليه أمارات إنكار عدم خلو البلد من أعدائه بنى فلان مثلا لمجيئه بهيئة الآمن : والله ما خلا البلد من بنى فلان ، والمنكر كغيره إذا كان معه ما إن تأمله ارتدع فيلقى إليه الكلام خلوا من التأكيد ، كقولك لمنكر كون دين المجوسية ليس بحق : ما دين المجوسية حقا ، ولمنكر أن لا حق فى أحكام اليهودية أو النصرانية أو الاعتزال : ما فى أحكام اليهودية أو النصرانية أو الاعتزال حق.
الحقيقة والمجاز العقليان
ثم أشار إلى تفصيل فى الإسناد ، وأن منه الحقيقى والمجازى فقال : (ثم الإسناد) سواء كان إنشائيا أو خبريّا ولم يقل : ثم منه حقيقة إلخ ؛ لئلا يتوهم اختصاص هذا الكلام بالإسناد الخبرى (منه حقيقة عقلية) ولم يقل : ثم الكلام منه حقيقة عقلية ؛ لأن من جعل الكلام هو الموصوف بكونه حقيقة عقلية إنما جعله كذلك باعتبار اشتماله على ما تسلط عليه التصرف العقلى منه وهو الإسناد ؛ لأن من أدرك الأوضاع الإفرادية أمكنه بالعقل نسبة أحد مدلولى اللفظ لمدلول الآخر من غير توقف على أمر موضوع لذلك ، فكان اتصاف الكلام بالحقيقة العقلية والمجازية العقلية بالتبع للأمر العقلى وهو الإسناد ، واتصاف الإسناد بهما هو بالأصالة ، فجعله معروضا لهما أولى لكون ذلك بالأصالة من جعل الكلام معروضا لهما ؛ لأن ذلك بالتبع.
ولم يأت بصيغة الحصر بأن يقول : إما حقيقة وإما مجاز ؛ لأن الإسناد لا ينحصر فيهما عند المصنف ؛ لأن نسبة المبتدأ إلى الخبر عنده ليس بحقيقة ولا مجاز وهو جازم بذلك لا سيما إن كان الخبر جامدا كقولنا : الحيوان جنس والإنسان نوع.