حسن البلاغة ، ولما كانت هذه الأوجه لا توجب للمتكلم تسمية اصطلاحية ، فإن التجنيس والترصيع مثلا لا يوجبان عرفا لموجدهما فى الكلام تسميته مجنسا ومرصعا ، ولو جاز ذلك لغة ، وإنما توجب التسمية للكلام عرفا فيقال : هذا الكلام مرصع أو مجنس جعل تبعيتها حاصلة لبلاغة الكلام دون المتكلم.
بلاغة المتكلم
(والبلاغة) الكائنة (فى المتكلم) هى (ملكة) أى كيفية راسخة فى النفس (يقتدر بها) أى : بتلك الملكة (على تأليف كلام بليغ) متى شاء ، وإنما زدنا «متى شاء» لئلا يقال : إن الحد صادق على من له ملكة على تأليف الكلام البليغ مرة واحدة ، والبليغ لا بد أن يكون بحيث يؤلف الكلام البليغ الداخل تحت قصده متى أراد ، وربما أشعر بهذه الزيادة ، قوله : «ملكة» ؛ لأن القدرة على التأليف مرة منشؤها أمر عارض لا ملكة راسخة (فعلم) من أخذ الفصاحة فى تعريف البلاغة (أن كل بليغ) سواء كان ذلك البليغ متكلما أو كلاما (فصيح) لأن البلاغة أخص من الفصاحة ، وكلما وجد الأخص وجد الأعم (ولا عكس) كليا أى : لا يصدق كل فصيح بليغ ، وهذا هو المعنى بالعكس اللغوى ، وذلك لأن الفصاحة أعم ولا يلزم من صدق الأعم صدق الأخص ، فيجوز وجود كلام فصيح غير بليغ ، ووجود ملكة الفصاحة دون ملكة البلاغة.
وعموم لفظ البليغ للكلام والمتكلم : إما لكونه من باب المشترك المستعمل فى معنييه وكذا الفصيح ، وإما بتأويل أن المراد ما يصدق عليه لفظ البليغ ، فيكون من باب التواطؤ لاشتراك المتكلم والكلام فى كون كل منهما مصدوق البليغ.
ومثل هذا الاعتبار يجرى فى لفظ الفصيح فيكون المعنى : كل مصدوق للبليغ مصدوق للفصيح (و) علم أيضا (أن البلاغة) فى الكلام (مرجعها) أى رجوعها (إلى) وجود (الاحتراز عن الخطأ) الذى يكون (فى تأدية المعنى المراد) زائدا على أصل المراد ، ومعنى رجوع البلاغة إلى الاحتراز المذكور : أن الاحتراز هو الذى يجب حصوله لتحصل البلاغة ؛ إذ لو انتفى الاحتراز وأتى بالكلام اتفاقيا ، أمكن أن لا يطابق فتنتفى البلاغة ، بل الغالب حينئذ وجود ذلك الانتفاء ، ومثل هذا المعنى ما يقال : مرجع الجود