فهو الفن الثالث ، والاعتماد فى الحصر على الاستقراء ، والخاتمة داخلة فى الفن الثالث عند المصنف ؛ لأنه نص فى غير هذا الكتاب على أنها من الفن الثالث ؛ لأنها راجعة إلى المحسنات اللفظية فلا يحتاج إلى جعلها جزء من المقصود كما قيل ، فبدأ بالمقدمة منها أولا فقال : هذه (مقدمة) فى بيان معنى الفصاحة والبلاغة ، وبيان انحصار العلم فى الفنون الثلاثة وغير ذلك مما ينساق إليه الكلام ، ولم يعرف المقدمة لعدم تقدم ما يشعر بها ، فكان المقام مقام تنكيرها ، وأصل التنكير إفادة الإفراد ؛ لأن المفرد أقل ما ينطلق عليه المنكر ، وذلك كاف فى الغرض ، أما كون تنوينها للتعظيم أو التقليل فلا يتعلق به الغرض ؛ لأن نسبة مقدمة كل فن وكل كتاب إليه لا تتفاوت غالبا ، حتى يكون مقامها بالنسبة إليه تارة يوجب كونها عظيمة ، وتارة يوجب كونها حقيرة ، فلا يتشوف إلا لوجودها لا لكونها عظيمة أو قليلة ؛ ولهذا لم يستعمل هذه مقدمة عظيمة لهذا الفن أو قليلة له ، ولو كان يمكن بالتكلف وصفها بالعظمة أو القلة على خلاف المعتاد من المؤلفين ، ولأجل برودة هذا المعنى فيها ؛ كان الخلاف فيه مما لا ينبغي أن يقع بين المحصلين ، وأما الفنون فلما انجر الكلام في آخر هذه المقدمة إلى ذكرها فى قوله : وما يحترز به عن الخطأ إلخ ، ناسب ذكرها بطريق التعريف ، لكن لم يذكرها باسم الفن ، وإنما ذكر مصدوقه لكن العهد مما يكفى فيه الذكر التضمنى ، وهو ظاهر غير أن إخباره عن الفن بأنه علم كذا إخبار بمعلوم لتقدمه فى آخر التقسيم ، وقد أجيب عنه بأن الإخبار فى الثانى والثالث جوزه بعدد العهد ، وفى الأول تبعية ما بعده له ، وههنا بحث وهو أن مقدمة العلم يتوقف عليها إدراك ذلك الفن ، وهذه الأمور المذكورة ههنا لا يتوقف عليه الفن ، فإن صاحب المفتاح ذكرها بعد الفنين وأيضا مقدمة العلم كما قيل : هى حد العلم وبيان غايته وموضوعه ، وهذه الأشياء لم يذكر فيها الموضوع بالتصريح ولا الغاية ، والجواب أن المراد بالمقدمة ههنا مقدمة الكتاب ، وهى طائفة من كلامه ، تتقدم أمام المطلوب لارتباط معناها به ، وانتفاع بذلك المعنى فيه ، ولا شك أن المقدمة إذا أريدت لهذا المعنى صدقت على هذه الطائفة المذكورة أمام المطلوب لارتباط معناها به الذى هو : تفسير البلاغة والفصاحة اللتين قصد معرفتهما من وضع هذا الفن إذ عما