بالجزئيات هنا القضايا التى موضوعاتها مشمولة لموضوع القاعدة الكلية وذلك كقولنا بالنسبة إلى هذا الفن : كل حكم منكر يجب توكيده فإن هذا يشمل الحكم الذى هو ثبوت القيام لزيد عند إنكار عمرو ، فيثبت له حكم القاعدة ، وهو أنه يجب توكيده فيقال : إن زيدا لقائم (ويشتمل) ذلك المختصر (على ما يحتاج إليه من الأمثلة والشواهد) والفرق بين المثال والشاهد : أن المثال لا يشترط فيه كونه صادرا ممن يستدل بكلامه ، والشاهد يشترط فيه كونه صادرا ممن يوثق بعربيته ويستدل بكلامه ؛ فلهذا كان الأول أعم من الثانى ، وإنما افترقا بما ذكر ؛ لأن الغرض من الأمثلة إيضاح القاعدة لتتصور فصح بكل كلام ، والغرض من الشاهد تقريرها وتثبيتها فلا يصح إلا من كلام من يستشهد به ، ويلزم من التقرير التام الإيضاح دون العكس.
(ولم آل) فعل مضارع مجزوم بحذف الواو إذ هو من الألو وهو التقصير ، فضمن معنى المنع فمعناه لم أمنعك (جهدا) بضم الجيم وفتحها فحذف المفعول الأول وذكر الثانى وهو جهدا ، ويحتمل أن يكون على بابه فينصب جهدا بإسقاط الخافض أى : لم أترك شيئا من اجتهادى فى تحقيق هذا المختصر أى : تنقيحه عما لا ينبغى من الفساد معنى ولفظا (ورتبته) أى : هذا المختصر (ترتيبا أقرب تناولا من ترتيبه) أى : وجعلت مسائله ، وفصوله فى رتب هى فيها أسهل أخذ ، لكونها يستعان ببعضها على فهم بعض ، وينبنى إدراك بعضها على إدراك بعض من ترتيب السكاكى للقسم الثالث.
ولا شك أن الترتيب إن كان على الوجه المذكور كان المرتب أسهل أخذا مما لم يكن كذلك. (ولم أبالغ فى اختصار لفظه) أى : المختصر ، بل ارتكبت فى الاختصار طريق الاعتدال (تقريبا لتعاطيه) أى : انتفت منى المبالغة فى الاختصار لأجل قصد التقريب إلى الأفهام عند تعاطيه بالمدارسة. فالتقريب علة للانتفاء المفهوم من قوله لم لا علة لأبالغ ؛ لأنه يصير المعنى حينئذ : أن المبالغة الكائنة لأجل التقريب انتفت منى ، ولا ينافى ذلك وجود مبالغة كائنة لغير التقريب ، وليس هذا المعنى مرادا هنا (وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه) أى انتفت المبالغة فى الاختصار لما تقدم ، وانتفت لأجل الطلب ، والحرص على تسهيل فهم المختصر على الطالبين لفهمه ، فإن المبالغة فى الاختصار مما يوجب صعوبة