أما بعد ، أيها الناس ، فإنّ إبليس كان من ملائكة الله ـ تبارك وتعالى ـ في السماء ، وكانت الملائكة ترى له فضلا بما يظهر من طاعة الله ـ عزّ وجلّ ـ وعبادته ، وكان الله ـ عزّ وجلّ ـ قد اطّلع على سريرته ، فلما أراد أن يهتكه أمره بالسجود لآدم ـ عليه السلام ـ فامتنع ، فلعنه ، وإنّ الحجاج بن يوسف كان يظهر من طاعة الخلفاء ما كنا نرى له بذلك علينا فضلا ، وكنا نزكّيه ، وكأن الله قد أطلع سليمان أمير المؤمنين من سريرته وخبث مذهبه ، على ما لم يطلعنا عليه ، فلما أراد الله ـ تبارك وتعالى ـ / هتك ستر الحجاج أمرنا أمير المؤمنين سليمان بلعنه ، فالعنوه لعنه الله.
وكانت قريش بمكة أهل كثرة وثروة ، وأهل مقال في كل مقام ، هم أهل النادي والبلد ، وعليهم يدور الأمر ، وفي الناس يومئذ بقية ومسكة ، فأحدث خالد بن عبد الله في ولايته هذه حدثا منكرا ، فقام إليه رجل من بني عبد الدار بن قصي ، يقال له : طلحة بن عبد الله بن شيبة ، ويقال : بل هو عبد الله بن شيبة الأعجم (١) ـ كما سمعت رجلا من أهل مكة يحدّث بذلك ـ فأمره بالمعروف ونهاه عما فعل ، فغضب خالد غضبا شديدا ، وأخاف الرجل ، فخرج الرجل إلى سليمان بن عبد الملك يشكو إليه ويتظلم منه.
١٩٢٩ ـ فحدّثنا الزبير بن أبي بكر ، قال : ثنا محمد بن الضحاك ، عن أبيه ، قال : أخاف رجلا من بني عبد الدار خالد بن عبد الله القسري ـ وهو عامل على مكة ـ فخرج إلى سليمان بن عبد الملك ، فشكا إليه أمره ، فكتب
__________________
١٩٢٩ ـ محمد بن الضحاك ، أبو عثمان الكوفي ، سكت عنه ابن أبي حاتم ٧ / ٢٩٠. نقله الفاسي في العقد الثمين ٤ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ عن الفاكهي ، ومن شفاء الغرام ٢ / ١٦٢ ـ ١٦٣ ونسبه للزبير بن بكار. وذكره أبو الفرج في الأغاني ٢٢ / ١٩ ـ ٢٠ ونسبه لابن الكلبي.
(١) ترجمته في العقد الثمين ٥ / ١٧٦ ، ونقل عن الزبير أنه لقّب بذلك لثقل في لسانه. وهذه القصة في العقد الثمين أيضا ٤ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧ نقلا عن الفاكهي.