فليس فيه لبس ما ذكرنا ، وإن كانت هذه الصفة أعني عدم التغميض والإكباب قد وقعت منه فيما مضى ، فإنّه يريد : وأن تعلمي أنّي بالنظر إلى ما يستقبل على هذه الصفة من عدم التغميض والإكباب بوقوعهما مني فيما مضى ، فيا ربّ مكروب فعلت به كذا.
ولا يدخل على «أن» هذه فعل من الأفعال التي للتحقيق ، فلا تقول : «تحققت أن يقوم زيد» ، لأنّ «أن» تخلّص الفعل للاستقبال وتصيره محتملا إلى أن يقع وأن لا يقع ، فناقضت لذلك أفعال التحقيق بخلاف «أن» المخففة. وقد تقدمت أحكام ذلك في موضعه.
وتكون حرف عبارة وتفسير بمنزلة «أي» ، وذلك إذا كان المراد بما بعدها تفسير ما قبلها. ولا يكون ل «أن» هذه مع ما تدخل عليه موضع من الإعراب ، وذلك نحو قوله تعالى : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها)(١). ألا ترى أن قوله : «تلكم الجنة» ، تفسير للنداء ، أي : نودوا بأن قيل لهم : تلكم الجنة. ومثل ذلك : أمرت زيدا أن اضرب عمرا ، ف «اضرب عمرا» ، تفسير للأمر أي : كان أمري له بأن قلت له : «اضرب عمرا».
ولا تقع إلّا بعد القول وما في معناه ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ
__________________
المعنى : يصف الشاعر قلة نومه وتعبه فهو لا ينام إلا لحظات بسيطة ، فعندما يعتريه النعاس الشديد يكبّ ويستيقظ ، وينام فترة بسيطة ، ثم يعود لهمومه.
الإعراب : فإما : «الفاء» استئنافية ، «إما» : «إن» : حرف شرط جازم ، و «ما» زائدة. تريني : فعل مضارع مجزوم ب «إن» وعلامة جزمه حذف النون ، و «الياء» : ضمير متصل في محل رفع فاعل ، و «الياء» : الثانية ضمير متصل في محل نصب مفعول به ، و «النون» : للوقاية. لا أغمض : «لا» : نافية لا عمل لها ، «أغمض» : فعل مضارع مرفوع بالضمة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره : (أنا). ساعة : مفعول فيه ظرف زمان منصوب متعلق بالفعل «أغمض». من الدهر : جار ومجرور متعلقان بصفة من «ساعة». إلّا : حرف حصر. أن : حرف مصدري ناصب. أكب : فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا) ، والمصدر المؤول من «أن» والفعل «أركب» مجرور بلام محذوفة ، والجار والمجرور متعلقان ب «أغمض» ، وقد عطف على هذا المصدر المصدر المؤول من «أن» والفعل «أنعس». فأنعسا : «الفاء» : سببية عاطفة ، «أنعسا» فعل مضارع منصوب ، و «الألف» : للإطلاق ، و «الفاعل» : ضمير مستتر وجوبا تقديره (أنا).
وجملة «إمّا تريني» مع الجواب في بيت تال تركيب شرطي استئنافي. وجملة «تريني» : جملة الشرط غير الظرفي لا محل لها. وجملة «لا أغمض» : في محل نصب حال. وجملة «أكب» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها. وجملة «أنعسا» : صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله : «إلا أن» حيث دخلت (أن) على الفعل الدال على المستقبل في المعنى وفي الحقيقة ، وإن كان عدم التغميض والإكباب قد وقعا من الشاعر فيما مضى.
(١) سورة الأعراف : ٤٣.