رتبت فى زائدتى مقدم الدماغ المشبهتين بحلمتى الثدى (من الروائح ، أو باللمس) وهى قوة ...
______________________________________________________
له كما إذا وضعت أصبعك فى فمك ، وكون الشىء لا يحس بطعمه لشدة كثافة أجزائه فلا يتحلل منها ما يخالطه الرطوبة اللعابية ، فإذا احتيل فى تحليله أحس منه بطعم وذلك كما فى الحديد ، فإنه إذا وضع على اللسان لم يجد له الإنسان طعما فلو تحلل منه نحو القراضة وجد له طعما آخر ، والمعدود من الطعوم التفاهة بالمعنى الثانى لا الأول ، وإنما كانت هذه التسعة أصول الطعوم ؛ لأن ما سواها من الطعوم وهى أنواع لا تتناهى مركبة منها كالمزازة المركبة من الحلاوة والحموضة ، وكلما خلط مطعوم بمطعوم حدث طعم آخر ، واستدل الحكماء على كون أصول الطعوم هذه التسعة لا غيرها بأن الطعم لا بدّ له من فاعل وهو الحرارة أو البرودة أو الكيفية المتوسطة بينهما ، ولا بدّ له من قابل وهو اللطيف أو الكثيف أو المتوسط بينهما ، وإذا ضربت أقسام الفاعل فى أقسام القابل حصلت أقسام تسعة ، فالحرارة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الحراقة وفى الكثيف حدثت المرارة وفى المعتدل بينهما حدثت الملوحة ، والبرودة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الحموضة ، وفى الكثيف حدثت العفوصة ، وفى المعتدل حدث القبض ، والكيفية المتوسطة بين الحرارة والبرودة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الدسومة ، وفى الكثيف حدثت الحلاوة ، وفى المعتدل بينهما حدثت التفاهة ـ هذا ما ذكروا ، والحق أنها مجرد دعاوى لا دليل عليها كيف والأفيون مر بارد والعسل حلو حار والزيت دسم حار؟! (قوله : رتبت) أى : رتبها الله بمعنى أنه خلقها وجعلها فى زائدتى مقدم الدماغ وهما حلمتان زائدتان هناك شبيهتان بحلمتى الثديين فهما بالنسبة لمجموع الدماغ مع خريطته : كالحلمتين بالنسبة إلى الثديين كل واحدة منهما تقابل ثقبة من ثقبتى الأنف ، وعلى هذا فلا إدراك فى الأنف ، وإنما هو واسطة ؛ لأن القوة الشمّيّة قائمة بتينك الزائدتين بدليل أنه إذا سد الأنف من داخل انقطع إدراك المشموم ولو سلم نفس الأنف من الآفات (قوله : من الروائح) بيان لما يدرك بالشم ولا حصر لأنواع الروائح ولا أسمائها إلا من جهة الملاءمة للقوة الشامّة وعدم الملاءمة لها فما كان ملائما يقال له رائحة