إنما هو بين نفس السواد والبياض ، لا بين تصوريهما ؛ أعنى : العلم بهما ، وكذا التقارن فى الخيال إنما هو بين نفس الصور. فلا بد من تأويل كلام المصنف ، ...
______________________________________________________
الذى اعتبر فيه الاتحاد المعنى المتعارف وهو العلم ، فلزمه الفساد فى القولين المذكورين ، وهذا الفساد إنما لزم من تغييره ، ولا يرد ذلك على عبارة السكاكى ؛ لأنه مثل الاتحاد فى تصور بالاتحاد فى المخبر عنه أو فى الخبر أو فى قيد من قيودهما ، فعلم أن مراده بتصوريهما فى قوله الوهمى أن يكون بين تصوريهما ، والخيالى أن يكون بين تصوريهما متصورهما على قياس ما سبق ـ اه فنرى.
(قوله : إنما هو بين نفس السواد والبياض) أى : اللذين هما متصوران (قوله : أعنى) أى : بتصوريهما العلم بهما (قوله : إنما هو بين نفس الصور) أى : لا بين التصورات ، وهذا إنما يظهر على القول بتغاير العلم والمعلوم ، فالعلم حصول الصورة فى الذهن ، والمعلوم هو الصورة ، والتحقيق أنهما متحدان بالذات ، وإنما يختلفان بمجرد الاعتبار ، فالصورة باعتبار حصولها فى الذهن علم ، وباعتبار حصولها فى الخارج معلوم ، فالعلم هو الصورة الحاصلة فى الذهن ، لا حصول الصورة فى الذهن ؛ لأن الإدراك من قبيل الكيف ، لا من قبيل الفعل أو الانفعال.
(قوله : فلا بد من تأويل كلام المصنف) أى : بأن يقال : أراد المصنف بتصوريهما مفهوميهما. وهما الأمران المتصوران ، وتجعل الإضافة للضمير بيانية ، وقد يقال : إن مثل هذا لا يقال فيه أنه خلل ، إذ غاية ما فيه إطلاق المصدر على متعلقه وهو أمر لا ينكر ؛ لأنه مجاز ، والمجاز لا حجر فيه مع وجود العلاقة المصححة ـ كيف والشارح نفسه حمل التصور فى كلام السكاكى السابق على المتصور؟ حيث قال فيما سبق : وهذا ظاهر فى أن المراد بالتصور الأمر المتصور ، ولا يقال : إنما حمله على ذلك وجود القرينة الدالة عليه فى كلام السكاكى ؛ لأنا نقول تلك القرينة بعينها ، أو ما يقاربها فى كلام المصنف كما يعلم بالتأمل ، على أنا لو فرضنا عدم القرينة بالكلية لم يكن فى كلام المصنف خلل ، بناء على ما هو التحقيق من أن العلم والمعلوم شىء واحد بالذات ، وإنما يختلفان بمجرد الاعتبار على أنه لو كان مراد المصنف بالتصور الأمر المتصور