وذلك لأن ما سوى الواو من حروف العطف يفيد مع الاشتراك معانى محصلة مفصلة فى علم النحو ، فإذا عطفت الثانية على الأولى بذلك العاطف ...
______________________________________________________
ومن التعقيب المذكور : عطف المفصل على المجمل كما فى قوله تعالى (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(١) أما وجهه فى الأول : فهو أن ذكر الشىء يناسبه إجراء مدحه أو ذمه ، سواء كان حكم مدحه أو ذمه متقدما فى نفس الأمر أو متأخرا. وأما وجهه فى الثانى. فلأن تفصيل الشىء يناسب بعد إجماله ولو اقترن الحكمان ، وكذا ثم قد تكون لاستبعاد مضمون ما بعدها عما قبلها ، ولو اقترن مضمونهما ، كما فى قوله تعالى : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)(٢) فإن الاستغفار أى طلب المغفرة مقارن للتوبة التى هى الانقطاع إلى أمر الله بترك المعصية ، وربما سبقت التوبة على الاستغفار فعطفت التوبة على الاستغفار بثم إشارة إلى أن الانقطاع إلى الله بالمعنى المذكور أعلى من الاستغفار باللسان ، وقد تكون لمجرد التدرج فى مدارج الكمال ، وبيان الحال الذى هو أولى من ذلك الكمال بالتقديم كقوله :
إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه |
|
ثمّ قد ساد بعد ذلك جدّه |
فإن سيادة الجد والأب سابقتان لكن أتى بثم إشارة لتدرج الممدوح فى مدارج الكمال مع بيان الأولى منها بالتقديم ؛ لأن الأولى بالإنسان سيادته ثم تليه سيادة أبيه ولو كان الكل مدحا له (قوله : وذلك) أى وسبب ذلك ، أعنى عدم الاشتراط لأمر آخر لصحة العطف بغير الواو.
(قوله : مع الاشتراك) أى مع التشريك فى الحصول الخارجى (قوله : محصلة) أى : حصلها الواضع ووضعها بإزائها مفصلة فى علم النحو ، فإذا وجد معنى منها كان كافيا فى صحة العطف بالحرف الدال عليه وإن لم توجد جهة جامعة ، وقد علمت المعنى المحصل للفاء وثم وهو : التعقيب فى الأول ، والمهلة فى الثانى ، فهما وإن شاركا الواو فى مطلق الجمع لكن لكل منهما معنى خاص به هو ما ذكرناه.
__________________
(١) الأعراف : ٤.
(٢) هود : ٥٢.