بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفى الجمع بينهما لأنه عارف بأن الكائن أحدهما ، والثانى : ما روى أنه لما قال النبى عليه الصلاة والسّلام : " كل ذلك لم يكن" ـ قال له ذو اليدين : بعض ذلك قد كان ، ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما ينافى النفى عن كل فرد ، لا النفى عن المجموع (وعليه) أى : على عموم النفى عن كل فرد (قوله) أى : قول أبى النجم :
(قد أصبحت أمّ الخيار تدّعى |
|
علىّ ذنبا كلّه لم أصنع) (١) |
______________________________________________________
والنسيان ، ومما يدل على هذا المعنى أيضا ما ورد فى بعض الطرق لم أنس ولم تقصر ، وخير ما فسرته بالوارد (قوله : ونفيهما جميعا) أى : وليس فى جوابه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تعيين لأحد الأمرين ، فلزم أن مراده نفى كل منهما (قوله : تخطئة للمستفهم) أى : فى اعتقاده الثبوت لأحدهما (قوله : لا ينفى الجمع بينهما لأنه) أى : المستفهم عارف أى معتقد ثبوت أحدهما ، وإذا كان كذلك فلا يصح أن يجاب به ؛ لأنه لم يفده فائدة ، والحاصل أنه إذا قيل أزيد قام أم عمرو ، فإنه يجاب بتعيين أحدهما بأن يقال قام عمرو أو بنفى كل منهما بأن يقال لم يقم واحد منهما ، ولا يجاب بنفى الجمع بأن يقال لم يقوما معا ، بل القائم أحدهما ؛ لأن هذا الجواب لا يفيد السائل شيئا ؛ لأنه عالم أن أحدهما قائم ولا يعلم عينه ، فكذلك هنا لا يصح أن يكون مراد النبى لم يقعا جميعا أى : بل الواقع أحدهما ؛ لأنه لا يصلح جوابا (قوله : إن الثبوت للبعض) أى : الذى هو موجبة جزئية ، وقوله إنما ينافى أى يناقض النفى عن كل فرد أى : الذى هو السالبة الكلية.
(قوله : لا النفى عن المجموع) أى : عن الهيئة الاجتماعية الذى هو سلب جزئى وحينئذ (فذو اليدين) إنما قال للنبى ، بل بعض ذلك قد كان لعلمه أن النبى ـ صلى
__________________
(١) البيت لأبى النجم فى المصباح / ١٤٤ ، أسرار البلاغة ٢ / ٢٦٠ ، المفتاح ٣٩٣ ، الإشارات والتنبيهات / ٢٥ ، دلائل الإعجاز / ٢٧٨ ، خزانة الأدب ١ / ٣٥٩ ، نهاية الإيجاز ص ١٨٢ ، شرح المرشدى على عقود الجمان ١ / ٥٣ ، الأغانى ٢٣ / ٣٦. ويقول عبد القاهر فى تعليقه على البيت : إنه أراد أنها تدّعى عليه ذنبا لم يصنع منه شيئا البتة لا قليلا ولا كثيرا ، ولا بعضا ولا كلا ، والنصب يمنع من هذا المعنى ويقتضى أن يكون قد أتى المذنب بالذنب الذى ادعته بعضه ، وذلك أنا إذا تأملنا وجدنا إعمال الفعل فى" كل" والفعل منفى لا يصلح أن يكون إلا حيث يراد أن بعضا كان ، وبعضا لم يكن [دلائل الإعجاز / ٢٧٨ تحقيق : محمود شاكر].