وقد اقتصر فى التفسيرين السابقين على أحدهما (بدليل (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) ...
______________________________________________________
كأن يخبر شخص بأن السماء تحتنا غير معتقد ذلك فبين الواقع والاعتقاد هنا موافقة ، واعتقاده عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الخبر للاعتقاد وهو ظاهر.
والثاني : كأن يخبر الفلسفى بأن العالم حادث غير معتقد ذلك فبين الواقع والاعتقاد هنا مخالفة ، واعتقاده عدم المطابقة يستلزم عدم مطابقة الخبر للاعتقاد أيضا ، فظهر لك من هذا أن اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الخبر للاعتقاد ، وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم المطابقة للاعتقاد أيضا ، فظهر لك من هذا أن اعتقاد المطابقة يستلزم مطابقة الخبر للاعتقاد ، وكذا اعتقاد عدم المطابقة يستلزم عدم المطابقة للاعتقاد سواء كان بين الواقع والاعتقاد مطابقة أو لا ، وحينئذ فلا وجه لقول الشارح ضرورة توافق والاعتقاد المقتضى توقف الاستلزام على التوافق.
وأجيب بأن التعليل الذى ذكره الشارح إنما هو بالنظر لما نحن بصدده وهو صورة الصدق عند الجاحظ ، والخبر فيها مطابق للواقع إذ لا بد فى الصدق من المطابقة للواقع عنده ، ولا شك أنه إذا اعتقد المطابقة فى تلك الحالة كان الاعتقاد مطابقا للواقع ، وهذا لا ينافى أن استلزام اعتقاد المطابقة الاعتقاد حاصل مطلقا أى : كان بين الواقع والاعتقاد موافقة أو مخالفة بقطع النظر عما نحن بصدده (قوله : وقد اختصر إلخ) عطف على قول اعتبر إلخ ، وأن الجملة حال من ضمير اعتبر (قوله : على أحدهما) فالجمهور اقتصروا فى تفسيرهم على اعتبار المطابقة للواقع ، والنظام اقتصر فى تفسيره على اعتبار المطابقة للاعتقاد ، وحينئذ فقد ظهرت الأخصية ؛ لأن الأخص ما كان أزيد قيدا (قوله :
بدليل أفترى) الإضافة بيانية وهو متعلق بحال محذوفه أى : الجاحظ أنكر انحصار إلخ ، مستدلا بدليل هو قوله : أفترى ، وأصله : أأفترى ، مثل : أأشترى بهمزتين ، الأولى استفهامية والثانية للوصل ، فحذفت الثانية استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، ومعنى أفترى : أكذب ، فقوله كذبا مفعول مطلق ، وعامله من معناه وهو أفترى ، أو من لفظه محذوفا أى : وكذب كذبا.