(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(١) فإنه تعالى جعلهم كاذبين فى قولهم : [إنك لرسول الله] لعدم مطابقته لاعتقادهم وإن كان مطابقا للواقع ...
______________________________________________________
[ظرا](٢) لما يؤول إليه من التصديق الحاصل من حمل التعريف على المعرف إذ كأنه قيل الصدق موضوع لمطابقة الخبر للاعتقاد. كذا ذكر أرباب الحواشى ، وقال عبد الحكيم : إن الدليل الذى تمسك به النظام على الحكم الذى يتضمنه التعريف وهو أنه صحيح (قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)) الظاهر أن هذا ليس من كلامهم ، بل من كلام المولى قدم احتراسا ، إذ لو قيل : (قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) لتوهم أن قولهم هذا كذب غير مطابق للواقع ، فوسط بينهما قوله : والله يعلم إنك لرسوله ليحبط ذلك الإيهام قوله : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) أى : يعلم ذلك وعبر عن العلم بالشهادة مشاكلة.
(قوله : فإنه تعالى إلخ) هذا توجيه لكون الآية دليلا ، وحاصله أن المولى وصف المنافقين بأنهم كاذبون فى قولهم : إنك لرسول الله ، مع أن نسبة ذلك الكلام هو ثبوت الرسالة مطابقة للواقع ، لكنها لم تطابق ما فى اعتقادهم من كونه غير رسول الله ، فدل على أن كذب الخبر عدم مطابقته للاعتقاد ، وإذا كان الخبر قد جعل كذبا لعدم مطابقته للاعتقاد مع مطابقته للواقع ، فأحرى إذا لم يطابق الواقع والاعتقاد معا ؛ لأنه بالكذب أجدر وإذا تحقق أن الكذب مجرد عدم مطابقة الاعتقاد كان الصدق المقابل له ؛ لعدم الواسطة عند هذا الخصم هو تلك المطابقة ، فلا يرد أن يقال بعد تسليم أن الكذب ما ذكر لا يلزم منه أن الصدق مطابقة الاعتقاد ، بل ولا أن الكذب مجرد عدم مطابقة
__________________
(١) المنافقون : ١.
(٢) الظرر الحجر عامة ـ وقيل الحجر المدور ـ والظرير : العلم الذى يهتدى به ـ والأظرة من الأعلام التى يهتدى بها ـ [وانظر لسان العرب ٤ / ٢٧٤٧ / مادة ظ. ر. ر).