وأما الصورة فهي كالفصل للكاتب والبيت للشاعر ، وما جرى مجراهما.
وأما الآلة فأقرب ما قيل فيها إنها طبع هذا الناظم ، والعلوم التي اكتسبها بعد ذلك ، ولهذا لا يمكن أحدا أن يعلّم الشعر من لا طبع له وإن جهد في ذلك ، لأن الآلة التي يتوصل بها غير مقدورة لمخلوق ، ويمكن تعلم سائر الصناعات لوجود كل ما يحتاج إليه من آلاتها.
وأما الغرض فبحسب الكلام المؤلّف ، فإن كان مدحا كان الغرض به قولا ينبىء عن عظم حال الممدوح ، وإن كان هجوا فبالضدّ ، على هذا القياس كل ما يؤلّف ، وإذا تأملته وجدته كذلك.
وقد ذهب أبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب (١) إلى أنّ المعاني في صناعة تعلم الكلام موضوع لها ، وذكر ذلك في كتابه الموسوم «بنقد الشعر» (٢) ، وقال في كتابه «الخراج وصناعة الكتابة» عند كلامه على البلاغة : إن اللغة تجري مجرى الموضوع لصناعة البلاغة ، وهذان القولان على ما تراه مختلفان ، والصحيح منهما ما قدمناه وذكره في «كتاب الخراج». ويجب أن يقال له إذا ذهب إلى أن المعاني هي الموضوع : خبرنا عن الألفاظ التي أخذها هذا الصانع المؤلف فألفها ، إذا لم تكن عندك موضوعا لصناعة فما منزلتها من الأقسام التي اعتبرها الحكماء في كل صناعة؟ والتأمل قاض بصحتها ونحن نرى الألفاظ تأثيرها في هذه الصناعة التي كلامنا عليها تأثير بيّن في الحسن والقبح ، ولا يجوز أن تكون مع هذه العلقة الوكيدة غريبة منها. فإن قلت : إنها الآلة ، قلنا لك : وأي صناعة من الصناعات تصاحبها الآلة بعد فراغ الصانع منها حتى تصير أصلا والمصنوع تابعا لها؟
__________________
(١) هو قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي ، أبو الفرج : كاتب من البلغاء الفصحاء المتقدمين في علم المنطق والفلسفة يضرب به المثل في البلاغة توفي ببغداد سنة ٣٣٧ هجرية من كتبه : «الخراج» و «نقد الشعر» و «جواهر الألفاظ» وغيرها كثير.
(٢) «نقد الشعر» لقدامة بن جعفر : ص ١٩.