الألفاظ المؤلفة وشروط صناعة الكلام ، وفي الحقيقة والمجاز ، والاستعارة ،
والكناية ، والسجع ، والترصيع ... وفي كل ذلك يكثر ابن سنان من الأمثلة والنماذج
على ما يصح وما لا يصح ، وما هو فصيح ، وما هو بعيد عن الفصاحة.
ويرى ابن سنان
أن الذين تكلموا على فصاحة القرآن الكريم فريقان :
فريق يرى أن
القرآن خارق للعادة بفصاحته التي يتبين منها وجه إعجازه ، وفريق يزعم أن العرب
صرفوا عن معارضته مع قدرتهم على الإتيان بمثل فصاحته. سيفهم ـ في البداية ـ أن ابن
سنان يقف من قضية فصاحة القرآن وإعجازه موقفا موضوعيا يتمثل في بيان وجهة نظر كل
فريق على أساس من شروط الفصاحة وحدودها ، دون أن ينضم إلى هذا الفريق أو ذاك ، غير
أننا نراه ـ بعد ذلك ـ في كتابه يصرح بأن الإعجاز القرآني كان بالصرفة ؛ أي أنه
انحاز إلى الفريق الذي يرى بأن العرب كان بمقدورهم مجاراة القرآن في فصاحته ، ولكن
الله صرفهم عن محادّته والإتيان بمثاله ، ولعل مرد موقفه هذا راجع إلى صلته
بالمعتزلة.
وفي كلامه عن
السجع ، نفى ابن سنان أن السجع عيب كما يعتقد اليونان والرومان ، وأن من لم يسجع
من كتّاب القرنين الثاني والثالث كانوا يحرصون على ألوان من الفن في كتاباتهم ،
وذكر نماذج من النماذج الأدبية ووازن بينها.
وكان شيخ
البلاغة ، العلامة عبد القاهر الجرجاني معاصرا لابن سنان الخفاجي ، وقد وضع في هذا
العلم كتابين هما : «دلائل الإعجاز» ، و «أسرار البلاغة». وكان أسلوبه فيهما يتصف
بتنميق العبارات أكثر من الخفاجي ، وكان يسمي هذا العلم «علم البيان» وقد تميّز عن
الخفاجي بنظره إلى هذه الموضوعات على أنها علم له قواعد يقررها وينفرد بها ، وقد
وزعها إلى علوم : المعاني ، والبيان ، والبديع ، ونال الجرجاني شهرة فاق بها غيره
من علماء البلاغة في عصره ، غير أن مدرسته لا تتصل بالمتأخرين مباشرة ، وإنما عن
طريق السكاكي في كتابه «مفتاح العلوم» ، أما أسلوب الخفاجي في كتابه «سر الفصاحة»
فهو إلى أسلوب المتأخرين أقرب ، مما يجعل كتابه هذا أكثر نفعا للطلاب والدارسين ،