فإن المرسن الأنف ، والمسرج لا يعرف ، حتى خرج له أنه أراد بالمسرج المحدّد ، ومن قولهم للسيوف : السريجيّات ؛ منسوبة إلى قين يعرف بسريج ، وهذا القصد على ما تراه وحشي غريب.
وما زال أهل العلم بالشعر يكرهون قول ذي الرّمّة (١) :
عصا عسّطوس لينها واعتدالها
وفي عسطوس ضروب من العيوب المذكورة ، وقيل : إنه الخيزران ، وقد كان يمكن ذا الرّمة أن يقول : عصا خيزران.
وإن كان هؤلاء الشعراء أرادوا الإغراب ، حتى يتساوى في الجهل بكلامهم العامة وأكثر الخاصة. فما أقبح ما وقع لهم! وقد رأيت أنا جماعة يتعمدون هذا فقلت لهم : إن سررتم بمعرفتكم وحشي اللغة فيجب أن تغتموا بسوء حظكم من البلاغة ، وجرى بين أصحابنا في بعض الأيام ذكر شيخنا أبي العلاء بن سليمان (٢) فوصفه واصف من الجماعة بالفصاحة ، واستدل على ذلك بأن كلامه غير مفهوم لكثير من الأدباء ، فعجبنا من دليله ، وإن كنا لم نخالفه في المذهب ، وقلت له : إن كانت الفصاحة عندك بالألفاظ التي يتعذر فهمها ، فقد عدلت عن الأصل المقصود أوّلا بالفصاحة التي هي البيان والظهور ، ووجب عندك أن يكون الأخرس أفصح من المتكلم ، لأن الفهم من إشارته بعيد عسير ، وأنت تقول : كلما كان أغمض وأخفى كان أبلغ وأفصح ، وعارضه أبو العلاء صاعد بن عيسى الكاتب وقال : صدقت ، إننا لا نفهم عنه كثيرا مما يقول ، إلا أنه على قياس قولك : يجب أن يكون ميمون الزنجي الذي نعرفه أفصح من أبي العلاء ، لأنه يقول ما لا نفهمه نحن ولا أبو العلاء أيضا! فأمسك.
__________________
(١) «ديوان ذي الرمة» ص (٢٣٧) وفي المطبوع : عصا قسّ قوس ، بدل عصا عسّطوس.
(٢) هو أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان المتوفى سنة ٤٤٠ ه.