فأما فساد المقابلة فكقول أبي عدى القرشيّ :
يا بن خير الأخيار من عبد شمس |
|
أنت زين الدنا وغيث الجنود |
فليس غيث الجنود مقابلا لزين الدنيا ولا موافقا.
ومن الصحة صحة النسق والنظم ، وهو أن يستمرّ في المعنى الواحد وإذا أراد أن يستأنف معنى آخر أحسن التخلص إليه حتى يكون متعلقا بالأول وغير منقطع عنه ، ومن هذا الباب خروج الشعراء من النسيب إلى المدح ، فإن المحدثين أجادوا التخلص حتى صار كلامهم في النسيب متعلقا بكلامهم في المدح لا ينقطع ، فأما العرب المتقدمون فلم يكونوا يسلكون هذه الطريقة ، وإنما كان أكثر خروجهم من النسيب إما منقطعا وإما مبنيا على وصف الإبل التي ساروا إلى الممدوح عليها ، ومما يستحسن من خروجها من خروج المحدثين قول أبي عبادة البحتري يصف الروض :
شقائق يحملن النّدى فكأنه |
|
دموع التصابي في خدود الخرائد |
كأنّ يد الفتح بن خاقان أرفلت |
|
تليها بتلك البارقات الروّاعد (١) |
وقوله :
ولو أنني أعطيت فيهنّ المنى |
|
لسقيتهنّ بكفّ إبراهيما (٢) |
وقول محمد بن وهيب :
ما زال يلثمني مراشفه |
|
ويعلّني الإبريق والقدح (٣) |
حتى استردّ الليل خلعته |
|
وبدا خلال سواده وضح |
وبدا الصّباح كأنّ غرّته |
|
وجه الخليفة حين يمتدح |
__________________
(١) أرفلت : من الرفل وهو التبختر. وانظر «ديوان البحتري» ص (١ / ٥٥). وفي المطبوع : أقبلت ، بدل أرفلت. البارقات الرواعد : السحب ذات البرق والرعد.
(٢) هو من قصيدة له في مدح إبراهيم بن الحسن بن سهل. وانظر «ديوانه» ص (١ / ٢٧١).
(٣) معاهد التنصيص ١ / ١٥٣ ، أسرار البلاغة ٢٥٨. يعلني ، من أعله : سقاه سقيا بعد سقي.