صحة الأوصاف وفسادها :
ومن الصحة صحة
الأوصاف في الأغراض ، وهو أن يمدح الإنسان بما يليق به ولا ينفر عنه ، فيمدح
الخليفة بتأييد الدين وتقوية أمره ، ومحبة الناس وطاعتهم ، والتقى والورع ،
والرحمة والرأفة ، وإقامة العدل وشرف الحسب ، وحسن السياسة والتدبير والإضطلاع
بالأمور ، والحلم والعفو ، والعلم وحفظ الشرع ، والجمال والبهاء ، والهيبة
والشجاعة ، وكرم الأخلاق ولينها ، وما يجري هذا المجرى ، ويمدح الوزير والكتاب
بالعقل والحلم ، وسداد الرأي وحسن التدبير والبلاغة ، وتثمير الأموال والعدل والكرم
، وما يليق بهذا ، ويمدح الأمير وقائد الجيش بالشجاعة والمعرفة بالحرب ، وحسن
النقيبة والظفر والصبر وسداد التدبير ، وما أشبه ذلك. وعلى هذا السبيل يجري الأمر
في النسيب ، فيذكر فيه صدق الهوى والمحبة وشدة الوجد والصبابة ، وكتمان الأسرار
ومخالفة العذّال وما يتفرع عن ذلك ويلحق به ، وكذلك في كل غرض من الأغراض الشعرية
، من هجاء وفخر وعتاب ووصف وغير ذلك ، حتى يكون كل شيء موضوعا في المكان الذي يليق
به.
فأما النثر
فيجري على هذا المنهاج ، ويحتاج فيه إلى معرفة المواضعات في الخطاب والاصطلاحات ،
فإن للكتب السلطانية من الطريقة ما لا يستعمل في الإخوانيات ، وللتوقيعات من
الأساليب ما لا يحسن في التقاليد. وهذا الباب ـ أعني المواضعة والاصطلاح في الخطاب
ـ يتغير بحسب تغير الأزمنة والدول ، فإن العادة القديمة قد هجرت ورفضت ، واستجدّ
الناس عادة بعد عادة ، حتى إن الذي يستعمل اليوم في الكتب غير ما كان يستعمل في
أيام أبي إسحاق الصابي ، مع قرب زمانه منا ، وإذا كان الأمر على هذا جاريا فليس
يصح لنا أن نضع رسوما نوجب اقتفاءها ، لأنا نحن في هذا الزمان قد غيّرنا الرسم
المتقدم لمن قبلنا ، وكذلك ربما جرى الأمر فيما بعدنا.
لكن أصول
الأغراض في الأوصاف والمعاني مما لا تتبدل ولا تتغير.
فليكن الائتمان
بها واقعا ، والاجتهاد في جريها على قانون السّداد والصواب حاصلا ، فقد عيب أبو
عبادة في مديحه الخليفة بقوله :