إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

سرّ الفصاحة

244/327
*

صحة الأوصاف وفسادها :

ومن الصحة صحة الأوصاف في الأغراض ، وهو أن يمدح الإنسان بما يليق به ولا ينفر عنه ، فيمدح الخليفة بتأييد الدين وتقوية أمره ، ومحبة الناس وطاعتهم ، والتقى والورع ، والرحمة والرأفة ، وإقامة العدل وشرف الحسب ، وحسن السياسة والتدبير والإضطلاع بالأمور ، والحلم والعفو ، والعلم وحفظ الشرع ، والجمال والبهاء ، والهيبة والشجاعة ، وكرم الأخلاق ولينها ، وما يجري هذا المجرى ، ويمدح الوزير والكتاب بالعقل والحلم ، وسداد الرأي وحسن التدبير والبلاغة ، وتثمير الأموال والعدل والكرم ، وما يليق بهذا ، ويمدح الأمير وقائد الجيش بالشجاعة والمعرفة بالحرب ، وحسن النقيبة والظفر والصبر وسداد التدبير ، وما أشبه ذلك. وعلى هذا السبيل يجري الأمر في النسيب ، فيذكر فيه صدق الهوى والمحبة وشدة الوجد والصبابة ، وكتمان الأسرار ومخالفة العذّال وما يتفرع عن ذلك ويلحق به ، وكذلك في كل غرض من الأغراض الشعرية ، من هجاء وفخر وعتاب ووصف وغير ذلك ، حتى يكون كل شيء موضوعا في المكان الذي يليق به.

فأما النثر فيجري على هذا المنهاج ، ويحتاج فيه إلى معرفة المواضعات في الخطاب والاصطلاحات ، فإن للكتب السلطانية من الطريقة ما لا يستعمل في الإخوانيات ، وللتوقيعات من الأساليب ما لا يحسن في التقاليد. وهذا الباب ـ أعني المواضعة والاصطلاح في الخطاب ـ يتغير بحسب تغير الأزمنة والدول ، فإن العادة القديمة قد هجرت ورفضت ، واستجدّ الناس عادة بعد عادة ، حتى إن الذي يستعمل اليوم في الكتب غير ما كان يستعمل في أيام أبي إسحاق الصابي ، مع قرب زمانه منا ، وإذا كان الأمر على هذا جاريا فليس يصح لنا أن نضع رسوما نوجب اقتفاءها ، لأنا نحن في هذا الزمان قد غيّرنا الرسم المتقدم لمن قبلنا ، وكذلك ربما جرى الأمر فيما بعدنا.

لكن أصول الأغراض في الأوصاف والمعاني مما لا تتبدل ولا تتغير.

فليكن الائتمان بها واقعا ، والاجتهاد في جريها على قانون السّداد والصواب حاصلا ، فقد عيب أبو عبادة في مديحه الخليفة بقوله :