واقعية التشبيه :
ومما يحتاج إليه التشبيه أن يكون الأمر المشبه به واقعا مشاهدا معروفا غير مستنكر ، ليوافق ذلك المقصود بالتشبيه والتمثيل من الإيضاح والبيان ولهذا عاب نصيب على الكميت قوله :
كأنّ الغطامط من غليها |
|
أراجيز أسلم تهجو غفارا (١) |
وقال له : أخطأت ، ماهجت أسلم غفارا قط ، وأراد نصيب من الكميت أن يكون شبه بشيء واقع معروف ، وهذا كما يقال : كأن مناقضة فلان وفلان مناقضة جرير والفرزدق ، فيكون هذا الكلام صحيحا ، ولو قيل : كأن مناقضتها مناقضة الأحوص وعمر ابن أبي ربيعة ، لم يكن ذلك التشبيه صحيحا ، إذ كان المشبه به لم يقع ، وعلى هذا أكره قول علقمة بن عبدة :
كأن إبريقهم ظبي على شرف |
|
مفدم بسبا الكتان ملثوم (٢) |
على أن يكون مفدم من صفة الظبي ، لأن الظبي لا يكون مفدما بسبائب الكتان ملثوما ، فكأنّ التشبيه وقع بما لا يشاهد ولا يعرف ، وإن كان المفدّم راجعا إلى الإبريق فذلك صحيح.
وكذلك قول الحكم ـ لعله عبد الرحمان بن الحكم ـ وليحقق :
كانت بنو غالب لأمتّها |
|
كالغيث في كل ساعة يكف |
فإن العادة لم تجر بأنّ الغيث يكف في كل ساعة ، وإن كان هذا البيت يحتمل من
__________________
(١) ديوان الكميت ١ / ١٩٥ ، مجالس العلماء ١٨٢ ، الخصائص ٣ / ٢٩١. الغطامط : صوت غليان القدر.
(٢) ديوانه ١٣١ ، المفصّليات ٤٠٢ ، الخصائص ١ / ٨٠ ، ٢ / ٤٣٧ ، المحتسب ١ / ٨١ ، ٢ / ٧٧.
شرف : المكان المشرف. ومفدّم : من الفدام وهو مصفاة صغيرة أو خرقة تجعل على فم الإبريق ليصفى بها ما فيه ، وسبا الكتان : سبائبه مفردها سبيبة وهي الشقّة البيضاء ، وملثوم : جعل له كاللثام.